كُتبت العبارة المنسوبة إلى عبد السلام “عش سريعاً ومت شاباً” على حائط منزل عائلته، جوار رسم يُحاكي ملامحه. (cc) موقع الأضواء | محمد هلالي | 19 أغسطس، 2019

وصل عدد القتلى يوم 3 يونيو 2019، عندما فضت قوات أمنية اعتصام القيادة العامة بالرصاص الحي، إلى 127 شخصا، حسب لجنة الأطباء المركزية. هنا قصة عبد السلام كِشة الذي “عاش واستشهد من أجل شعارات الثورة السودانية: الحرية، السلام والعدالة”.

“ولد ابني عبد السلام يوم يوليو سنة 1993، في منطقة الحلاوين بولاية الجزيرة وسط السودان. درس مرحلة الأساس بمدرسة الخرطوم الغربية، المرحلة الثانوية بمدرسة الخرطوم القديمة، ثم التحق بجامعة الدلنج، وقبل استشهاده كان يدرس في المستوى الثالث بكلية القانون، جامعة النيلين”، يقول كِشة، والد عبد السلام، أحد ضحايا فض اعتصام السودانيين أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو الماضي بواسطة قوات عسكرية.

عاش ابني واستشهد من أجل شعارات الثورة السودانية: الحرية، السلام والعدالة.

— كِشة، والد عبد السلام

ويضيف: “عاش ابني واستشهد من أجل شعارات الثورة السودانية: الحرية، السلام والعدالة. أعتقد أنه كان مؤمناً بالتغيير وبالثورة، بالإضافة إلى تلك المبادئ، فهو كان واسع الاطلاع، لقد بدأ القراءة مبكراً منذ مرحلة الأساس. في بعض الأحيان كان يجلب كتباً تبدو أكبر من سنه بكثير، ناقشته في الأمر، ووجدت أنه شغوف بالمعرفة”.

“كان يُمثل أحد ركائز عائلتي، أنا مفجوع، لقد فقدت الكثيرين طوال حياتي” يقول والد عبد السلام وهو جالس أمام منزله المزين بالزهور، وهو يُحادث شبان من أقران ابنه في الحي.

ويشير الرجل الستيني، الذي يمتلك مزرعة بضاحية جبل الأولياء التي تبعد نحو 45 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم، إلى أن عائلته لم تستطع تقبل رحيل عبد السلام بعد.

يسرد كِشة قصة ابنه لموقع الأضواء: “لقد رحل مبكراً جداً، وترك لنا فراغاً عريضاً. لكن عزاؤنا أنه كان شجاعاً ومحبوباً واجتماعياً، إذ مثّل سرادق عزائه، انعكاساً لشخصيته. أتى الناس من كل حدب وصوب، من أم درمان، بحري والخرطوم، بينهم عميد كليته في الجامعة، وزملائه من تيارات سياسية متعارضة مع فكره السياسي”.

وبخصوص اتخاذه إجراءات قانونية ضد قتلة ابنه، يقول إنه أرجأ هذه الخطوة إلى حين تشكيل حكومة مدنية تمتلك مؤسسات عدلية قوية ومستقلة، وقتها فقط سيبدأ التقاضي، لمعرفة من قتل ابنه، ومحاكمته وفقاً لجريمته.

سيرة عبد السلام وتاريخه مع الاحتجاجات وقيادته لها منذ احتجاجات سبتمبر عام 2013 حتى لحظة مقتله برصاص القوات الأمنية خلال فض الاعتصام هي الشغل الشاغل لابن حيه، خالد حسين موسى، 21 عاماً والتي سردها لموقع الأضواء.

“عبد السلام كان عنده حساسية شديدة ضد الكيزان، لم يكن يخاف شيئاً.”

خالد حسين موسى، صديق عبد السلام

يقول موسى: “عبد السلام كان عنده حساسية شديدة ضد الكيزان، لم يكن يخاف شيئاً، علّمنا الكثير من الأشياء، بخاصة ما يتصل بتكتيكات الاحتجاجات. إذا طلبت منه شيئاً حتى ولو لم يكن متوافراً عنده، فإنه يسعى إلى جلبه إليك. كان يقود المواكب، خلال الاحتجاجات الأخيرة، حتى عندما تفرقنا قوات الأمن لديه القدرة على إعادة تنظيم التظاهرة مجدداً”.

يوسف السواحلي، 20 عاماً، صديق وجار عبد السلام، وكان قد التقى به قبيل فض اعتصام القيادة بنحو ساعتين وهو يخطب في مجموعة من المحتجين. يتذكر السواحلي خطبة عبد السلام: “حتى لو تم فض الاعتصام، وحتى لو دي إشاعة ح نكمل المشوار، عيدنا هنا في القيادة، حتى لو متنا لازم نرفع راسنا فوق، حتى لو واحد مننا مات أخوانا ح يجيبوا حقنا.”

ويضيف السواحلي: “دعاني عبد السلام يومها إلى مغادرة الاعتصام، موضحاً لي أن هنالك نية لفض الاعتصام، قال لي ذلك ـ كما أعتقد ـ من باب أنه بمثابة أخي الكبير”.

يقول السواحلي الذي اتخذ ميدان الاعتصام منزلاً له منذ بدئه في السادس من أبريل وحتى فضه بالقوة: “لم أعرف باستشهاد، عبد السلام، إلا في وقت متأخر من يوم الثالث من يونيو، حيث جرى اعتقالي وضربي وتعذيبي وسرقة حقيبتي وهاتفي، قبل أن يقتادوني إلى السجن برفقة عدد من المعتصمين.”

ويمضي إلى قوله: “حين أطلقوا سراحي وعدت إلى البيت، سمعت بنبأ استشهاده، كان أمراً محزناً وصادماً لي. لم أصدق كلياً، لقد التقيته قبل ساعات قليلة، فضلاً عن أنني أكن له مشاعر طيبة. لقد سمعته يخاطب جماعة من المحتجين: والله الشعب الخوف في قلبه مات، ثوار أحرار حنكمل المشوار، كررها ثلاث مرات.”

على حائط منزل عائلة عبد السلام، بمنطقة الخرطوم شرق، الواقعة في محيط المقر الرئيسي للجيش بالعاصمة السودانية، حيث قُتل بالرصاص في التفريق الدامي لاعتصام القيادة، كُتبت العبارة المقتضبة المنسوبة إليه: “عش سريعاً ومت شاباً”، إلى جوار رسم يُحاكي ملامحه.

إطار الأحداث

احتل آلاف المحتجين السودانيين ميادين قبالة المقار الرئيسية للجيش السوداني في الخرطوم، في السادس من أبريل تتويجاً لتظاهرات اندلعت منذ ديسمبر ضد حكم الرئيس السابق، عمر البشير.

وفي الحادي عشر من أبريل أعلن نائب الأول للرئيس ووزير الدفاع، عوض بن عوف، عزل البشير وتولي مجلس عسكري انتقالي للسلطة لمدة عامين تُجرى بعدها انتخابات عامة.

ولكن تحت ضغط المحتجين، أعلن ابن عوف تنحيه بعد نحو 30 ساعة من إطاحته البشير، ليخلفه عبد الفتاح البرهان في رئاسة المجلس العسكري.

وفور تسلمه السلطة، بدأ المجلس العسكري الجديد مفاوضات مع قادة الاحتجاجات، غير أنه لم يتم التوصل لاتفاق نهائي، وبحلول الثالث من يونيو فضت قوات أمنية اعتصام القيادة العامة بالرصاص الحي مخلفةً عشرات القتلى ومئات الجرحى، بينما لا يزال العشرات في عداد المفقودين.

ووقعت قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، في 17 اغسطس الجاري على الاعلانين السياسي والدستوري لحكم الفترة الانتقالية التي تمتد لثلاث سنوات.

وبموجب الاتفاق، ستتكون هياكل السُّلطة الانتقالية من: مجلس تشريعي غالبيته من قوى التغيير، مجلس سيادة بأغلبية مدنية، ومجلس وزراء يقوده المدنيون. وتمتد الفترة الانتقالية لمدة 39 شهراً، حيث يترأس العسكريون مجلس السيادة لمدة 21 شهراً، ويرأس المدنيون الفترة الأخيرة لمدة 18 عشر شهراً.

وذكرت إحصائية للجنة الأطباء المركزية، وهي من بين الأجسام المكونة لتجمع المهنيين السودانيين الذي ينظم الاحتجاجات منذ ديسمبر الماضي، أن 127 شخصا قتلوا خلال فض الاعتصام والأيام التي تلته، موضحةً أن العدد الكلي لضحايا الثورة السودانية تجاوز الـ 250.

ونصّت الوثيقة الدستورية الموقعة بين الطرفين، على إنشاء الحكومة الانتقالية، لجنة تحقيق وطنية مستقلة، للتحقيق في فض الاعتصام، يمكن أن تلجأ إلى مساعدة من الاتحاد الأفريقي متى ما رأت ذلك ضرورياً.