أدت ثورة ديسمبر إلى سقوط نظام المؤتمر الوطني في السودان. تم تكوين مجلس السيادة بعد ذلك، الذي حسب الوثيقة الدستورية هو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها. مجلس السيادة يتكون من أعضاء مدنيين وآخرين عسكريين. (cc) موقع الأضواء | محمد هلالي | الخرطوم، السودان |11 أبريل 2019

عدم الثقة تحدي واضح أمام العساكر والمدنيين الشركاء في الحكومة الانتقالية، حيث تتأرجح هذه العلاقة بين الاستقامة والانتكاسة، وتتواصل الاتهامات الموجهة من كل طرف للآخر. من المفروض أن تمر هذه الشراكة بالسودان إلى بر الأمان بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

في حواره مع قناة ‘سودانية 24’ (S24)، في 15 فبراير 2020، قال نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إن روح الشراكة التي كانت سائدة بينهم وقوى الحرية والتغيير غير موجودة حالياً، وأضاف: “الأفضل أن يخرجونا من المجلس ولو نحن عائق مستعدين نرجع ثكناتنا”.

ما يقصده حميدتي هو العلاقة بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية. تعتبر تلك التصريحات أول عبارات صريحة تصدر من مسئول في الحكومة عن هذه العلاقة التي بدأت قبل ستة أشهر تقريبا عقب التوقيع على ما عرف بـ ‘الوثيقة الدستورية’ التي تحكم الفترة الانتقالية.

الانفراد بالسلطة

شهدت بدايات الفترة الانتقالية التي أعقبت توقيع الوثيقة، شيئا من الشك بين الطرفين، حيث توترت العلاقة بشدة عقب حادثة فض اعتصام القيادة.

في السابع من سبتمبر 2019، أبدى عضو المجلس السيادي محمد الفكي سليمان في تصريحات لموقع ‘العربية نت’ تخوفه من “نسف الشراكة القائمة بسبب احتكار العسكريين للمعلومات المتعلقة بالدولة بحكم وجودهم في الحكومة السابقة”، وقال :”هذا لا يتوفر لدينا، وأصبحت المعلومات مصدر قوتهم”.

«أصبحت المعلومات مصدر قوتهم.»

— محمد الفكي سليمان، عضو في المجلس السيادي

وهدد الفكي وقتها بلجوء المدنيين في السيادي إلى نقاط قوتهم حال عدم مشاركتهم للمعلومات، وأضاف قائلاً :”هذا ليس في صالح الاستقرار”.

رد عليه عضو مجلس السيادة الفريق أول ياسر العطا في الثامن من سبتمبر 2019، في حوار مع صحيفة ‘الإنتباهة‘ قائلا :”لا نوايا لدينا لإخفاء أية معلومات عن المكون المدني بالمجلس” وأضاف: “منذ تشكيل السيادي ونحن حريصون على تمليك كل المعلومات التي توافرت لدينا في الفترة السابقة للمكون المدني.”

تحاول قوى الحرية والتغيير اللجوء إلى المظاهرات الحاشدة والاحتماء بالجماهير كلما شعرت بتوتر بينها والعسكر في الحكومة، وهذا الأمر يعتبره العساكر معوق للشراكة.

هذا ما أشار إليه عبد الفتاح البرهان عندما التقى في 23 فبراير 2020 بوفد من قوى الحرية في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، حسب صحيفة ‘المجهر السياسي‘. “الإشاعات والتظاهرات تمثل معوقا لعمل الحكومة الانتقالية”، قال البرهان، مضيفا أن “غياب التوعية للجماهير وتغيبهم ومدهم بمعلومات مضللة، جعلت البيئة السياسية نشطة لتجاذب، جعل الكثير يكفرون بالعسكر”.

«منذ تشكيل السيادي ونحن حريصون على تمليك كل المعلومات.»

— ياسر العطا، فريق أول وعضو في مجلس السيادة

وأكد البرهان أن العسكريين غير راغبين في حكم البلاد، بل يريدون العمل مع مكونات الحكومة الانتقالية للتوصل إلى تراضى وطني. “نريد أن نعبر بالمرحلة الانتقالية إلى الأمام دون أن تسيطر علينا نظرات التخوين والشك، نحن في الحكومة الانتقالية همنا واحد، وكل الطرق التي نسلكها تصب إلى بناء السودان”.

من أجل تأكيد نوايا المكون العسكري، أطلق حميدتي دعوة على سودانية 24 (S24) لتوقيع ميثاق شرف يضم العسكريين والمدنيين لحماية الفترة الانتقالية والديموقراطية ويضمن عدم حدوث إنقلاب عسكري.

الصلاحيات

ما يعكر كذلك صفو العلاقة بين الطرفين يكمن في التفاصيل المتعلقة بمهام كل منهما وفقا للوثيقة الدستورية. إضافة إلى ذلك، تهتز الثقة الهشة بين الطرفين وتتباعد كلما وقعت حادثة سياسية.

على سبيل المثال عندما التقى رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كمبالا، احتج المكون المدني واعتبر أن زيارة البرهان تجاوز صلاحياته، بما أن العلاقات الخارجية هي من صميم الجهاز التنفيذي الذي يقوده حمدوك.

من جانبه اتهم حميدتي جهات بقوى الحرية والتغيير بالتسبب في الأزمة الاقتصادية، وقال: “بعض الأشخاص في الحرية والتغيير حاربوا كل الدول التي ساعدتنا وظلوا يشتموا فيها ليل نهار”.

التمرد

كان أول اختبار للشراكة بصورة حقيقة هو أحداث التمرد التي شهدتها العاصمة الخرطوم، في 15 يناير 2019، من قبل أفراد ‘هيئة العمليات’ التابعة لجهاز المخابرات العامة. كانت تلك الأحداث فرصة لإعادة الثقة بين العسكر والمدنيين.

عبرت صورة ظهورهم مع بعض داخل القصر الرئاسي، وهم يتابعون مجريات الأحداث التي تم التعامل معها، عن حالة الانسجام.

هذا ما عبر عنه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عندما قال في تصريحات مشتركة مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إن “القوات المسلحة السودانية والقوى السياسية وكل هياكل حكم الفترة الانتقالية، وقفت صفحاً واحداً ضد هذه المؤامرة المدبرة ضد الثورة والتي قصد منها النيل من ثورة ديسمبر”.

عبور المرحلة الانتقالية

عبور المرحلة الانتقالية بنجاح واجب على كل مكونات الحكومة الانتقالية، خصوصا المكون العسكري، لأن “التصرفات التي حدثت من المكون العسكري، – فض الاعتصام – عملت فجوة كبيرة في قواعد المجتمع، وأصبح العساكر مرفوضون تماما”، حسب وائل ابوكريك أستاذ العلوم السياسية في جامعة أمدرمان الإسلامية، في حديثه لـ ‘موقع الأضواء’.

«لا طريق للمكون العسكري سوى الاستمرار في الشراكة.»

— وائل ابوكريك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أمدرمان الإسلامية

هذا ما يجعل ابوكريك يتحدث عن كون المكون العسكري بين “فكي رحى المجتمع الدولي والمجتمع الداخلي”. السبب في ذلك أنه “لا طريق للمكون العسكري سوى الاستمرار في الشراكة لأن الوضع العام الدولي لا يقبل الانقلاب العسكري مجددا”.

أما بالنسبة للمحلل السياسي والكاتب الصحفي السفير السابق الطريفي كرمنو فإن الطرفان كل منهما يحتاج إلى الآخر في المرحلة الانتقالية، ووجود كلاهما مهم. “العلاقة لابد أن تستمر وأن يكون المكون العسكري موجودا لأن الظروف في السودان أمنية بحتة والعهد البائد لا زال موجودا”.

ويشير كرمنو إلى “أن القوات المسلحة تتوفر لديها خبرة سابقة في إدارة الفترات الانتقالية بخلاف قوى الحرية والتغيير التي يفتقد بعضها إلى ذلك”.

«المواطن يطلب من الجيش الأمن ومن حمدوك القوت لحياة كريمة.»

— الطريفي كرمنو، محلل سياسي وسفير سابق

“المواطن يطلب من الجيش الأمن ومن حمدوك القوت لحياة كريمة”، وفقا لكرمنو الذي يتفق مع المكون العسكري في الحكومة الانتقالية قائلا إنه “بدلا عن المظاهرات والمواكب [يجب] حل الإشكاليات الموجودة في معاش الناس”.

كما اتحد العساكر والمدنيين في مواجهة تمرد الخرطوم في يناير 2020، يجب على الثقة أن تسود معاملاتهم من أجل عبور المرحلة الانتقالية بسلام ونجاح. بيد أن الثقة يتم اختبارها بالأفعال ولا تعتمد على الكلام فقط. ما زال الشعب السوداني في انتظار هذه الأفعال التي تمر بالسودان إلى بر الأمان، سواء خص ذلك الوضع الأمني، الاقتصادي أو الاجتماعي.