مباراة فريقي ‘التحدي’ و’الدفاع’، أول مباراة في أول دوري للسيدات، استاد الخرطوم الدولي.
(cc) موقع الأضواء | هند رمضان | 30 سبتمبر، 2019

بعد ثلاثين عامًا من الغياب القسري لكرة القدم النسائية في السودان، انطلقت يوم 30 سبتمبر أولى مباريات دوري السيدات لكرة القدم، بتشجيع واحتفال عارم من الجماهير. لكن هذا الإنجاز هوجم ووصف بالفسق والفجور والخروج عن الدين، من قبل تيارات سلفية في البلاد.


تناثرت لاعبات الفريقين على أرض إستاد الخرطوم الدولي باللونين الأخضر والأصفر كزهرات جميلات، فقد عانقنَ حلماً كان تحقيقه مستحيلا.

بعد ثلاثين عامًا من الغياب القسري لكرة القدم النسائية في السودان بسبب الفكر المتطرف لنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، الذي لم تنجح قوانين الإتحاد العالمي لكرة القدم في إلزامه بالسماح لسيدات السودان بممارسة نشاط كرة القدم، سيدات الكرة طوينَ عقود من القمع وعدن للميدان مجدداً.

وكان 30 سبتمبر 2019 تاريخاً فارقاً للنساء، سيما لاعبات كرة القدم. في الرابعة عصراً انطلقت صافرة تحكيم سمراء من إستاد الخرطوم الدولي معلنة بداية أول دوري للسيدات بين فريقي ‘التحدي’ و’الدفاع’ ونهاية عقود من التسلط الحكومي والتعقيدات الاجتماعية.

تفاعل الجمهور في المدرجات بشكل هستيري وبين الحين والأخر يرددون ‘مدنيااااو’ تعبيراً عن مدى رضاهم بما وصلت إليه السيدات السودانيات اللاتي تقدمن صفوف الثوار على أمل أن يتغير واقعهن الذي سورته الإنقاذ بالظلم والقهر والحرمان من الحقوق. وحظيت المباراة التي انتهت بالتعادل بحضور نوعي في المدرجات شمل صحافيين وممثلين وفنانين وحضور رسمي على مستوى مجلس السيادة الانتقالي ووزيرة الرياضة.

تكفير

هاجمت القوى التي يصنفها كثير من الثوار تابعة للنظام الإسلامي القديم بقيادة عمر البشير، فكرة ممارسة النساء السودانيات لكرة القدم واستخدمت منابر المساجد لنقد الفكرة.

وتحولت القضية لقضية رأي عام بعد أن أفتى رجل الدين السوداني السلفي المشهور بقربه من نظام البشير عبد الحي يوسف، بتكفير وزيرة الشباب والرياضة في الحكومة الانتقالية الجديدة السيدة ولاء البوشي.

ووصف يوسف في إحدى خطب الجمعة في مسجده بضاحية جبرة بالخرطوم، ممارسة كرة القدم النسائية نوعا من الفسق والفجور والخروج عن الدين، موجها انتقادات لاذعة للوزيرة ويصفها بـ “المارقة والخارجة عن الدين الإسلامي” بسبب سماحها بانطلاق دوري كرة القدم في البلاد، الأمر الذي يري فيه الثوار انتصارا لواحدة من قيم وشعارات الثورة وهي ‘الحرية’.

في المقابل رفضت الوزيرة ولاء تصريحات الداعية السلفي ووصفته بـ “المتطرف” وأكدت ان القضية مكانها سوح المحاكم، رافعة قضية ضد الداعية. ووجدت الوزيرة تعاطفا من كافة قوى الثورة لاسيما النساء، فيما جدد مجلس الوزراء ثقته في الوزيرة، مشددا على دعمه للوزيرة في صراعها ضد المجموعات السلفية.

سيدات الملعب

عائشة موسى، عضوة المجلس السيادي، وولاء البوشي، وزيرة الشباب والرياضة تصافحان اللاعبات. (cc) موقع الأضواء | هند رمضان | 30 سبتمبر 2019

بدت لاعبة فريق التحدي المشارك في المباراة الأولى لدوري كرة القدم للسيدات في السودان، نضال فضل الله، سعيدة للغاية لدرجة أنها لم تكن مهتمة بنتيجة التعادل مع فريق ‘الدفاع’ المنافس لفريقها. قالت فضل الله إن “النصر الحقيقي أننا استطعنا الوقوف على أرض الملعب كسيدات سودانيات لم يكن متاحاً أن تمارس هذا النشاط في العلن داخلياً وخارجياً”.

وأضافت فضل الله في حديثها لموقع الأضواء من داخل استاد الخرطوم: “أنا سعيدة وما حدث اليوم لم يكن أمراً سهلاً، كان حلماً وقد تحقق. نحن نلعب كرة القدم من وقت طويل وهناك لاعبات ماهرات ومحترفات. نحن فخورات أننا سنجعل الواقع أفضل للأجيال القادمة. وبعد أن باتت الظروف ملائمة الآن، سنؤدي بشكل أفضل، ونريد الدعم والتشجيع”.

صدى المدرجات وحضور رسمي

التهبت المدرجات بحماس الجماهير الممزوج بإحساس النصر، وامتلأت بالمشجعين من كبار السن رجالا ونساء، وشباب وناشئين. كانوا يرددون شعارات الثورة حيناً وشعارات التشجيع المنضبط مرة أخرى. لم يكن غالبية الحاضرين يميلون إلى فريق دون الآخر، فقد أتوا ليشجعوا المرأة في حد ذاتها.

قال أحمد الطيب، أحد الحاضرين والمشجعين إنه لديه شعور بالفخر والسعادة لما حصدته لاعبات كرة القدم وأتى ليشجع ويحتفل معهن بالنصر وكسر القيود. “لولا الثورة لم نكن هنا اليوم نشاهد سيداتنا على أرض الملعب واللاتي عانين في ظل النظام السابق. أبهرني أدائهن المتمكن وكذلك الجمهور المنضبط في تشجيعه وهتافاته،” أضاف الطيب.

كانت وزيرة الشباب والرياضة، ولاء البوشي، حضوراً كذلك في هذه المباراة. بعد أن صافحت لاعبات الفريقين وأعلنت بداية نشاط كان شبه معدوم بدت علامات الرضا على الحضور الذي كان يصفق ويهتف وسط شعور بالانتصار. وقالت الوزيرة عقب المباراة في تصريح مقتضب: “من أولوياتنا وضع سياسة خاصة بالرياضة والاهتمام بالنساء وذوي الاحتياجات الخاصة ومناطق الحروب بشكل مقدر.”

وقالت رئيس اتحاد كرة القدم للسيدات السوداني، ميرفت حسين لموقع الأضواء: “ما نشهده نتيجة مجهودات عام ونصف. أسسنا اتحاد كرة القدم للسيدات […] انه واحد من مطلوبات الاتحاد الدولي لكرة القدم. هذه بطولة كاملة الدسم بطاقم نسائي كامل لاعبات وتحكيم والكادر الطبي.”

“على المستوى الأفريقي نحن آخر دولة تؤسس لنشاط كرة القدم وعلى المستوى العربي السودان واليمن يتذيلان القائمة، و نلحق بمن سبقونا من الدول بتفعيل مشاركتنا اقليمياً ودولياً إلى نصل إلى بطولة كاس العالم،” أضافت حسين.

وكان قد أعلن رسمياً عن دوري سيدات كرة القدم في احتفال رسمي بفندق كورنثيا بالعاصمة السودانية الخرطوم في الثامن والعشرون من سبتمبر الماضي بمشاركة 21 فريقاً يمثل 9 اتحادات محلية.

الثورة وحملات الثورة المضادة

ويرى المفكر السوداني ومدير مركز الدراسات السودانية حيدر إبراهيم علي أن المواجهات الراهنة بين التيارات السلفية والتغيير الاجتماعي الذي تقوده قوى الثورة ممثلة في الشباب والمرأة تعد تعبيرا عن خطة متعمدة من القوى المضادة للثورة ممثلة في النظام القديم.

“ما يتم من قبل المجموعات السلفية يعد جزءً لا يتجزأ من حملات الثورة المضادة”

— حيدر إبراهيم علي، المفكر السوداني ومدير مركز الدراسات السودانية

وأوضح علي في حديث لموقع الأضواء أن هذه القوى تدافع عن مصالحها المرتبطة بالنظام القديم عن طريق التعبيرات المتطرفة والتوجهات التي يمكن أن تقود إلى استقطابات اجتماعية ودينية الغرض منها تعطيل الحراك الثوري في البلاد.

“ما يتم من قبل المجموعات السلفية بقيادة عبد الحي يوسف وغيره من الدعاة السلفيون، يعد جزءً لا يتجزأ من حملات الثورة المضادة التي تريد الحفاظ على مصالحها من ناحية، وتهدف في ذات الوقت إلى تعطيل صعود التيارات الاجتماعية الجديدة ممثلة في الشباب والمرأة السودانية التي خرجت وقادت ثورة ديسمبر،” يفسر علي.

ويضيف البروفيسور في علم الاجتماع ان الثورة السودانية أتت بفكر جديد يدعم الانفتاح ويقف ضد القوى الدينية الظلامية التي كانت تستغل الدين من أجل السلطة وفرض آرائها وتصوراتها، ومن الطبيعي ان تحاول تلك القوى مقاومة طريق الثورة وكبح جماحها.