متبرعون بالدم لضحايا الجنينة في العاصمة السودانية. (cc) آية شامات | يناير 2020

يواجه السودان نقصا في الدم، فإمدادات نقل الدم لإنقاذ الأرواح غير كافية لمواكبة الطلب. في جهد جماعي، تحاول مبادرات عديدة في السودان تلبية هذه الاحتياجات.

عانى نظام الرعاية الصحية في السودان من العديد من العيوب، ويرجع ذلك أساسا إلى أسباب اقتصادية وإدارية ثم لأسباب تتعلق بغياب الاستقرار السياسي لمدة طويلة وللعقوبات المفروضة على السودان. فببساطة، لم تكن الرعاية الصحية أولوية في هذا البلد. فعلى سبيل المثال، وصل الإنفاق العسكري والأمني السوداني تحت قيادة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، في بعض الأحيان ما يقارب الـ 80 في المائة من الميزانية الوطنية، ما لم يترك سوى القليل للتعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الحيوية.

في خضم قطاع رعاية صحية ضعيف، هنالك أسباب كثيرة أثرت بشدة على توافر عمليات نقل الدم. من بين هذه الأسباب المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالتبرع بالدم، خاصة بين سكان المناطق الريفية، البيئة التي لا ترقى إلى المستوى الأمثل للتبرع بالدم، البنية التحتية غير المؤهلة لتخزين الدم المتبرع به، وعدم نشر الوعي حول أهمية التبرع بالدم.

تعتبر عمليات نقل الدم ركيزة أساسية للطب الحديث لإنقاذها لحياة الملايين من الناس كل عام. في أفريقيا، يجمع 37 بلداً أقل من الهدف المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية وهو عشرة تبرعات لكل 1000 شخص. ووفقًا لآخر البيانات المتاحة، جمع السودان حسب ‘تقرير الوضع العالمي حول سلامة الدم وتوافره لعام 2016‘ الصادر عن منظمة الصحة العالمية، ما يقرب من ستة تبرعات لكل 1000 شخص في عام 2013.

وعلى الرغم من أن المتبرعين بالدم في العاصمة السودانية الخرطوم “يعتبرون التبرع بالدم عملاً من أعمال الحسنة، إلا أن هناك نقصًا في المتبرعين الطوعيين بالدم، والذين يتبرعون بالدم نادراً ما يفعلون ذلك بشكل متكرر”، كما أورد أحمد سعد في ورقة بحثية عام 2019. نتيجة لذلك، لا يستطيع العديد من المرضى في السودان الوصول إلى إمدادات آمنة في الوقت المناسب. وقد أصبح هذا الأمر أكثر أهمية خلال الانتفاضة ضد رئيس السودان المخلوع عمر البشير وحكومته.

غالبًا ما واجه المتظاهرون خلال أشهر الثورة العنف كآخر وسيلة استخدمها النظام السابق لقمع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وفقًا لبيان أصدرته لجنة أطباء السودان المركزية في 18 يوليو 2019، قُتل خلال الثورة 246 شخصًا، من بينهم 127 قتلوا في الثالث من يونيو 2019، وجرح 1353 شخصا. كانت عمليات نقل الدم ضرورية بشكل عاجل للجرحى، وبدأت عدة مجموعات من المجتمع المدني مثل ‘شارع الحوادث‘ و ‘صدقات‘ و ‘مركز بنك الدم’، بجمع تبرعات الدم المطلوبة.

في أبريل 2019 سقط نظام البشير، وفي سبتمبر تم تشكيل حكومة انتقالية. ومع ذلك، اندلعت صراعات عنيفة في بعض أنحاء البلد، كما هو الحال في الجنينة وبورتسودان. كانت هناك حاجة ملحة مرة أخرى لعمليات نقل الدم لإنقاذ أرواح المصابين، ولكن الإمداد في البلاد كان ما زال غير كاف.

«هناك نقصًا في المتبرعين الطوعيين بالدم، والذين يتبرعون بالدم نادراً ما يفعلون ذلك بشكل متكرر.»

أحمد سعد

بعد عملها الناجح خلال الثورة، رفعت مجموعات المجتمع المدني بشكل تعاوني من جهودها لرفع مستوى الوعي حول أهمية التبرع بالدم وسهلت عملية التبرع به بالفعل في إطار مبادرة ‘وريد السودان’. وقد التقت آلاء إلياس من موقع الأضواء مع آية شامات، التي تعمل في مبادرة ‘وريد السودان’:

سؤال: آية، ما هي مبادرة ‘وريد السودان’؟

جواب: ‘وريد السودان’ هي مبادرة للتبرع بالدم تمتد عبر السودان كما وتهدف إلى نشر ثقافة التبرع بالدم في السودان. فمبادرة ‘وريد السودان’ لا تنقذ حياة السودانيين فحسب، بل هي توحدهم أيضًا، حيث أننا نحصل على تبرعات بالدم من جميع أنحاء السودان لإنقاذ أرواح الناس بغض النظر عن مجموعتهم الإثنية. كل ما يهم هو أنهم سودانيون.

سؤال: من الذي أنشأ مبادرة ‘وريد السودان’؟

جواب: المبادرة هي تعاون بين متطوعين من عدة مبادرات مثل ‘شارع الحوادث’ و ‘صدقات’ و ‘مركز بنك الدم’. نعمل جميعًا معًا لتحقيق أهداف المبادرة.

«مبادرة ‘وريد السودان’ لا تنقذ حياة السودانيين فحسب، بل هي توحدهم أيضًا.»

— آية شامات

سؤال: متى وكيف تم تأسيس مبادرة ‘وريد السودان’؟

جواب: بدأت أول مبادرة للتبرع بالدم في 21 سبتمبر 2018، في مدينة كسلا، في شرق السودان. في ذلك الوقت، استنفذ علاج مرضى الأمراض المستوطنة (الملاريا وحمى الشيكونغونيا وكالا آزار) جميع احتياطيات الدم في بنوك الدم في كسلا. في خضم هذا الموقف، لم يكن بإمكاننا بالتأكيد الحصول على أي تبرعات بالدم من كسلا نفسها، لذلك كنا بحاجة ماسة إلى المساعدة من مكان آخر.

لذلك، بدأنا بحملة مع الهاشتاغ #Kassala_vein (#وريد_كسلا) على وسائل التواصل الاجتماعي. انتشرت الحملة مثل النار في الهشيم، واستمر الناس في الاتصال بنا وسؤالنا كيف يمكنهم المساعدة، وأين يمكنهم التبرع بالدم. أنشأنا مركزين لجمع التبرعات بالدم داخل الخرطوم، وفي فترة قصيرة، جمعنا الدم اللازم وأرسلناه إلى كسلا.

كانت الحملة الثانية بعد مأساة الجنينة في وقت سابق من هذا العام. تطلب عدد الضحايا كمية كبيرة من الدم. ولسوء الحظ، لم تستطع بنوك الدم في الجنينة وبنك الدم المركزي في الخرطوم تغطية الاحتياجات. كنا نعلم أننا نحتاج بشكل عاجل لإخبار الناس بما حدث هناك وجمع تبرعات الدم المطلوبة. لذلك اتصلت بمتطوعينا في الجنينة واستفسرت عن الاحتياجات.

بدأنا على الفور حملة اجتماعية باستخدام هاشتاغ #Geneina_vein (#وريد_الجنينة)، ودعونا الناس إلى القدوم والتبرع بالدم في الفترة من 3 إلى 6 يناير. كانت الحملة ناجحة للغاية، وخلال فترة قصيرة، تمكنا من جمع الكمية المطلوبة من الدم (حوالي 230 وحدة)، وأرسلناها إلى الجنينة.

«خلال فترة قصيرة، تمكنا من جمع الكمية المطلوبة من الدم.»

— آية شامات

بعد فترة وجيزة، اشتبك الناس بعنف في بورتسودان، وأصيب الكثيرون. لم تتمكن بنوك الدم في بورتسودان من تغطية الحاجة. لذا قمنا مرة أخرى، بجمع 150 وحدة دم في الخرطوم، وأرسلناها إلى بورتسودان (قامت شركة تاركو للطيران بنقل الدم المتبرع به مجانًا).

بعد ذلك، قررنا أن نطلق اسم ‘وريد السودان’ على المبادرة التي تجمع الدم من جميع أنحاء السودان وتقوم بنقله إلى من يحتاج إليه داخل السودان. إننا نركز على الناس المحتاجين الذين يعيشون في قرى وضواحي صغيرة والذين يعانون أكثر من الناس في الخرطوم.

سؤال: ما هي العقبات التي تواجه ‘وريد السودان’؟

جواب: نحن نواجه العديد من التحديات، معظمها مالية، ولكن هناك أيضًا تحديات تتعلق بالسلامة عند العمل أثناء الأزمات، كما هو الحال في الجنينة.

علاوة على ذلك، ولضمان نقل آمن للدم، خاصة في الولايات البعيدة، فإننا نحتاج إلى معدات طبية مثل أجهزة الطرد المركزي المبردة التي نستخدمها لفصل بلازما الدم، أو اختبارات الدم ‘إليزا’ (الفحص المناعي المرتبط بالإنزيم) التي نستخدمها للتحقق من أمراض الدم في الدم المتبرع به.

التبرع بالدم ينقذ الأرواح، ولكن لسوء الحظ، فإن الناس في السودان ليس لديهم وعي كبير. نحن حقا بحاجة لنشر هذه الممارسة.

«التبرع بالدم ينقذ الأرواح، ولكن لسوء الحظ، فإن الناس في السودان ليس لديهم وعي كبير.»

— آية شامات