لوحة جدارية في العاصمة السودانية الخرطوم.
(cc) موقع الأضواء | الزهراء جاد الله | 24 يونيو، 2019

كان الفن لبنة أساسية في حركة الاحتجاج السودانية التي أنهت حكم الرئيس عمر البشير. اليوم، وبعد التغيير السياسي، تواصل الحركة الفنية ازدهارها في البلاد.


منذ بداية الثورة السودانية في ديسمبر 2018، لعب الفن دورًا مهمًا، ليس فقط خلال الاحتجاجات ولكن أيضًا كذلك خلال اعتصام القيادة العامة في العاصمة الخرطوم. انضم العديد من الفنانين والموسيقيين والممثلين وغيرهم من ذوي الخلفيات الفنية إلى الذين خرجوا إلى الشوارع بحثًا عن شغفهم بالتغيير.

كانت الاحتجاجات ناجحة: في أبريل 2019، تمت الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، البالغ من العمر 75 عامًا، وانتهى بذلك حكمه الاستبدادي بعد 30 عامًا تقريبًا من توليه السلطة في انقلاب عسكري في أبريل 1989.

“بعد السادس من أبريل، وبشكل أكثر تحديداً بعد الإعلان عن نهاية حكم البشير، تم نقل تلك الأنشطة إلى الميدان وتطورت إلى حركة”

— فيصل حميد، ناشط سياسي وأحد منظمي الأنشطة الفنية

خلال المرحلة الأولى من الثورة، وعندما كان الناس يحتجون في جميع أنحاء البلاد، تحت مطاردة السلطات، كان من الصعب إنشاء وأداء أعمال فنية داعمة للثورة.

ومع ذلك، سار العديد من الموسيقيين جنبا إلى جنب مع المحتجين وكانوا يؤدون الأغاني. في وقت لاحق، تجمع هؤلاء الموسيقيين وغيرهم من الفنانين وشكلوا فرقا، ونظموا مشاريع تفاعلية مع المتظاهرين.

هكذا أصبحت الكتابات والرسوم على الجدران والجداريات الضخمة وسط مدينة الخرطوم، والعروض الموسيقية والمسرحيات في الشوارع مشهدًا دائما أثناء الاعتصام، جنبًا إلى جنب مع الخطب السياسية.

يقول فيصل حميد، وهو ناشط سياسي وأحد منظمي الأنشطة الفنية أنه “مع بدء الثورة، بدأت الأنشطة الفنية داخل الأحياء وتم رسم اللوحات الجدارية، وقام الموسيقيون والمطربون بالأداء، وشارك الشعراء والممثلون كل في منطقته كإسهام منهم في دعم الثورة.”

ويضيف حميد أنه “بعد السادس من أبريل، وبشكل أكثر تحديداً بعد الإعلان عن نهاية حكم البشير، تم نقل تلك الأنشطة إلى الميدان وتطورت إلى حركة”.

بدأ الفنانون في التعاون، وأخذوا يؤدون أعمالهم الفنية كل يوم تقريبًا في مناطق ومجموعات محددة. شارك المتظاهرون في الميدان في إنتاج الأعمال الفنية ودعموا الفنانين بالتبرعات والإمدادات. وقد قدم هذا الدعم دفعة للمشهد الفني في السودان وأدى إلى إنشاء العديد من المبادرات الفنية النشطة.

مهمة جماعية

يقول فيصل: “بدأت بعض المجموعات في الصعود، مثل ‘صفرجت‘ وهي فرقة مكونة من عدد من الموسيقيين الذين تعرفوا على بعضهم البعض خلال الاعتصام. كان الموسيقيون في بادئ الأمر يساهمون بشكل فردي قبل أن يوحدوا  مواهبهم. ومع إقامتهم في الميدان، احتلوا مكانًا فيه وكانوا يؤدون أعمالهم الفنية في كل يوم تقريبًا واستمروا بذلك لعدة أشهر. استمر حضور سفرجات في الميدان حتى النهاية المؤسفة للاعتصام.”

ديل انحنا القالوا متنا وقالوا فتناوقالوا للناس انتهينا متابعي صفرجت الاعزاء مازلنا نواصل ما بدأناه من تجميل حتي نمحي…

Gepostet von ‎صفرجت Safrajat‎ am Samstag, 16. November 2019

يقول عبد الله محمد، أحد أعضاء صفرجت، “منذ 12 من أبريل، كنت في الساحة أحمل جيتاري. لقد أرادنا جميعًا، موسيقيون ورسامون وفنانون آخرون، التعبير عن شغفنا بالفن خلال الاعتصام. الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أننا لم نكن وحدنا الذين ابتكرنا جميع الأعمال الفنية، فلقد كان الجميع في الميدان جزءًا من هذه الأعمال.”

وفي مقابلة مع موقع الأضواء، قال محمد عابدين، وهو أحد الموسيقيين الذين شاركوا في الثورة، أن العديد من الأغاني الرائعة “وُلدت” في الميدان. “كتبت العديد من الأغاني الرائعة وتم أداؤها هناك وكانت الإلهام يأتي من المشاعر التي ولدتها الثورة وكانت أيضا جزءا منها في نفس الوقت. الموسيقيون لم يكونوا هناك وحدهم، بل كان معهم الممثلون الذين كانوا يؤدون المسرحيات والعروض الفردية وكان المصورون موجودون لتوثيق العديد من الأنشطة الفنية.”

“كمصور، كنت مشاركا منذ البداية،” يقول رامي ماجد، مضيفا: “كنت أحاول تسليط الضوء على أهمية توثيق جميع أنشطة الثورة عندما تحدثت مع الناس. مع آخرين، عقدنا ورشة لتعليم الناس أساسيات التصوير الفوتوغرافي وكيفية توثيق الثورة بأمان.” وقال أيضا أنه تلقى تمويلا لعقد الورشة وانتهى به الأمر إلى صرف معظم التمويل في دعم المحتجين.

في وصف هذه التجربة يقول رامي أنها كانت فريدة من نوعها. “كان السودان وكأنه يولد من جديد – السودان الذي نريد والذي قاتلنا من أجله. كان الفن هو أداتنا للإسهام في الثورة، وكان جميع الفنانين هناك يتشاركون في هذه الرؤية. أردنا أن نقول أننا سنبقى في ميدان للاحتجاج، وأننا لن نغادره ما لم تتحقق مطالبنا”.

كان للثورة بكل تأكيد قوة توحيدية قوية، وبعد ثلاثة عقود من حرية فنية محدودة، وفرت الثورة مساحة طال انتظارها كما وفرت الحرية للإبداع. كان لمشاهدة الفن وهو يقوم بعمله أثناء الانتفاضة دور في إحياء شغف السودان للفن.

حركة مستمرة

عندما تحركت القوات شبه العسكرية لتفريق المتظاهرين في ميدان الاعتصام في الثالث من يونيو 2019، مما أدى إلى قتل أكثر من مئة شخص، تم كذلك تدمير معظم الأعمال الفنية في الشوارع، وفقد المصورون معداتهم وبياناتهم كما فقد الموسيقيون آلاتهم الموسيقية. بعد تفريق المعتصمين، غطت السلطات معظم جداريات الشوارع. رغم ذلك، فإن جميع الخسائر المادية لا تعني الكثير، بالنظر إلى الأرواح التي أزهقت والمعاناة الجسدية والنفسية التي تعرض لها العديد من المحتجين.

لم يكن الفنانون استثناءً، حيث أنهم عانوا معاناة المحتجين الآخرين. تم إلقاء القبض على العديد منهم وتعرضوا في وقت لاحق للإيذاء الجسدي والنفسي، مما تركهم خائفين ومحطمي الأفئدة. رغم ذلك، لم يستطع الإيذاء والمعاناة اللذين تعرضوا لهما من كسر عزيمتهم.

منذ ذلك الحين، استمروا بتسخير إبداعهم ومواهبهم لتعزيز السلام وزيادة الوعي حول القضايا الانتقالية الهامة. يقول فيصل إن “الاعتصام يلهم العديد من المشاريع الحالية”. وأحد الأمثلة التي يعطيها فيصل هو حملة إنشاء جداريات في أحياء مختلفة في الخرطوم، خاصة في المناطق التي لعبت دورًا رئيسيًا خلال الثورة.

تُصوِّر الجداريات أبطال الثورة الذين لقوا حتفهم وقد وضعت في الأحياء التي يعيشون فيها، كطريقة لدعم أسرهم وأحبائهم ولتؤكد لهم أن التضحيات التي قدموها لن تُنسى. 

أحد المشاريع الأخرى الناجحة هو مشروع قام به مجموعة من الفنانين خلال الاعتصام، وهو الاعتناء بالأطفال المشردين في العاصمة السودانية. توفر المجموعة المأوى والغذاء للأطفال كما وتتشارك معهم مهاراتها، وتساعد الأطفال على توجيه إبداعاتهم وتطوير مواهبهم.

A mural on Abdelsalam Kisha’s house depicting him and his famous saying: “Live fast and die young”.

واحد من أكثر المشاريع الطموحة الذي ما زال في طور الإنجاز هو السفر إلى جهات السودان الأخرى، بدءا من المناطق الأكثر تضررا من سنوات الصراع العنيف، لحمل روح الاعتصام وإيصالها لأولئك الذين عانوا الكثير. ويأمل فيصل أن يحصل على فرصة لتحقيق هذا المشروع في ظل الحكومة الجديدة.  “لقد خلق الاعتصام جوًا فريدًا من نوعه، حيث تعاون جميع الناس كفريق واحد واتحدوا من أجل هدف مشترك. نحن نريد أن نحمل روح الوحدة هذه ونوصلها لأولئك الذين عانوا من الحرب لإظهار تعاطفنا معهم واهتمامنا بهم.” 

يقول العديد من الفنانين إن الثورة لم تكن مجرد ثورة سياسية، بل كانت أيضا ثورة اجتماعية وثقافية. هذه الثورة ما زالت مستمرة ذلك، عبر الالتزام الجماعي بتعزيز العملية الانتقالية والمضي بها قدما من خلال استمرار وازدهار الفن في السودان.