احتفالات في الخرطوم يوم سقوط الرئيس المخلوع، عمر البشير. (cc) موقع الأضواء | محمد هلالي | 11 أبريل، 2019
تواجه الفترة الانتقالية العديد من المشاكل خصوصا في ما يخص ترسيخ الديمقراطية. فكيف يمكن للسودان المرور إلى بر الأمان وعدم تكرار تاريخ الانقلابات والحكم الدكتاتوري؟
مر على تاريخ السودان ثلاث تجارب للديمقراطية، كانت قصيرة جداً. دامت أول تجربة للديمقراطية في السودان ثلاث سنوات من 1956 إلى 1958 واستطاعت أن تحقق سودنة الخدمة المدنية، إلا أن الممارسة السياسية في تلك المرحلة أفرزت صراعات حزبية أدت في نهاية المطاف إلى تسابق عنيف من أجل الوصول للسلطة. من جانب آخر، كانت هذه أول تجربة للديمقراطية في السودان الحديث.”لم تكن الأحزاب السياسية الكبرى في السودان لديها الخبرة الكافية في التعامل مع كيفية إدارة التجربة الديمقراطية الحديثة وفق للمواثيق والتفاهمات السياسية المشتركة بين الأحزاب”، يقول القيادي في حزب الأمة القومي وتحالف قوي الحرية والتغيير الصادق عروة.
أما التجربة الثانية (1964-1969) فهي التجربة التي كانت أكثر إثراء للساحة السياسية السودانية، حيث تطورت فيها الأحزاب وبدأت تبرز فيها الممارسة الفكرية والبرامجية وأخذ التنافس بين الأحزاب شكلاً متقدماً. انتكست هذه التجربة الديمقراطية لذات الأسباب السابقة عندما ارتفعت لدى القِوَى الحديثة الرغبة في الاستيلاء على السلطة عبر استغلال الجيش للانقلاب العسكري.
لم تختلف التجربة الديمقراطية الثالثة كثيراً (1985- 1989) حيث لجأت الجبهة الإسلامية لوأد التجربة الديمقراطية عن طريق انقلاب يونيو 1989 العسكري. جاءت ثورة ديسمبر 2019 بمثابة إعلان جماهيري مؤجل لمدة 30 عاماً بانتهاء حكم الشمولية العسكرية والعودة للخيار الأول والمتمثل في التجربة الديمقراطية.
تكرار التاريخ؟
“الحكومة أنتجتها ثورة والجميع شركاء فيها بتفاوت عطائهم وبذلهم” يقول عروة. ولكنه يضيف أن نفس هذه الحكومة ما زالت تراوح مكان التشخيص والتحلل دون الوصول إلى رؤية شاملة لمستقبل التحول الديمقراطي في البلد. “الحكومة الحالية وحاضنتها لا زالت حبيسة الممارسة الاحتجاجية والمعارضة الحدية”، يفسر عروة.
“هنالك بعض الأخطاء المفصلية تم تكرارها كما أننا لم نقرأها في سفر التاريخ. الناظر إلى ما يحدث في القِوَى السياسية يتذكر جبهة الهيئات ومن ينظر إلى تجمع المهنيين لسودانيين يتذكر التحالف النقابي، ومن يرى التنمر السياسي على رموز الفترة الانتقالية يستذكر التآمر على ثورتي أكتوبر وأبريل”، يضيف عروة.
عثرات سياسية وتحديات اقتصادية
“الأمل الذي انعقد على هذه الحكومة أكثر وأكبر من أداء الطاقم الحالي، بل امتدت أيادي الانتقاد حتى طالت رئيس الوزراء الذي غيب الكثير من المعلومات عن شعبه مما يضعه تحت طائلها التضاد الماثل” يقول عروة.
من بين العوائق الماثلة في الفترة الانتقالية حسب عروة التدهور السريع في العلاقة بين مكونات الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية وبينهم جميعا ومجاميع المقاومة من لجان تغيير خدمات ولجان مقاومة. “إذا أردنا العبور فعلا علينا تذليل هذه العوائق وتجسير العلاقات بين جميع المكونات سيما المدنية العسكرية و الإيداع في تفكيك بنية نظام الثلاثين و إزالة التمكين الذي يعيق التحول الديمقراطي ويؤخر استكمال عملية السلام المستدام” يشدد عروة.
يضيف الناشط السياسي بشار محمد، عضو في حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، لهذه العوائق أن الديمقراطية تحتاج للوعي حقيقي من قبل الأحزاب السياسية والشعب، وهذا ما لم يتم الترسيخ له لحد الآن. “دولة مثل السودان لا يمكن أن تسود فيها ديمقراطية في الوقت الراهن حتى بعد الانتخابات”، يقول محمد.
“الأحزاب السياسية ليست لها خطة استراتيجية واضحة لإدارة البلد” يفسر محمد، مضيفا أن “البعض منها كانت تجلس مع النظام البائد والعسكر لذا نسبة نجاح الديمقراطية في المرحلة الحالية ضعيفة جداً.”
يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة المغتربين في الخرطوم محمد الناير أن حكومة الانتقالية الحالية غير قادرة على التحول الديمقراطي. “الفترة الانتقالية لم تكن قادرة على توفير أبسط حقوق المواطن وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية” يقول الناير مضيفا أن التحول الديمقراطي أصبح صعبا لأنه مرتبط بالانتخابات، وحتى الآن، “لم تعد الحكومة الحالية برامج من أجل الانتخابات التي تلي الفترة الانتقالية”.
التنظيم هو الحل والتعاون قوة
ورغم هذه التحديات فالنسبة للقيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار هنالك حلول يمكن أن تساعد على تجاوز هذه الأزمة.
“الحل يكمن في إعادة هيكلة الحاضنة السياسية بما يجعلها ممثلة حقيقية لقوى الثورة وهذا يتم عن طريق توسيع المجلس المركزي ليشمل لجان المقاومة وتجمع المهنيين” يقول كرار، بالاضافة إلى “استكمال هياكل الحكم الانتقالي وبخاصة المجلس التشريعي ومن ثم إصدار التشريعات الخاصة بتعزيز الدولة المدنية كالنقابات والحكم المحلي”.
إلغاء وتصفية إرث النظام البائد، محاكمة المجرمين، استرداد المال المنهوب، تصفية التمكين الاقتصادي العسكري بما في ذلك “تحجيم دور العسكر في المشهد الانتقالي حتى تكون السلطة مدنية بالكامل‘، كلها ضرورية لتحقيق السلام المستدام وعدم العودة لمربع الحرب.
فشلت النظم الديمقراطية السابقة حسب كرار بسبب الاختلافات السياسية وغياب برنامج وطني ديمقراطي مستدام. من أجل الوصول إلى هذا الهدف، يجب العمل على “المزيد من التنظيم على مستوى الشباب والمرأة والقوى الحية في المجتمع بما فيها النقابات. يجب كذلك مواصلة بث الوعي عن طريق المزيد من المنابر السياسية والثقافية.”
“الحكومة الانتقالية مسؤوليتها تشجيع المنظمات الشبابية” يقول كرار، مضيفا أنه لهذا يجب أن “تلعب الأجهزة الرسمية الإعلامية دورا اكبر من اجل هذا الهدف عن طريق برامج موجهة”.
تتفق رحمة جابر، طبيبة سودانية مهتمة وناشطة في الشأن السياسي، مع كرار، مضيفة أن “الحل يكون في وعي سياسي للعبور بالتجربة الديمقراطية الرابعة في السودان”. ترسيخ هذا الوعي و”إسقاطه على أرض الواقع سيأخذ سنوات عدة إلا أن إدراج المفهوم السياسي في المقررات السياسية سيظل الحل الأمثل إطلاقا”، تشدد جابر. يتم ذلك عبر خلق منابر ثقافية وسياسية تجمع كل شباب المجتمع، بالإضافة وجود إعلام حر ومواطن مدرك.
يضيف الكاتب الصحفي عبد الناصر الحاج أنه على جميع أصحاب المصلحة العمل معا. “الحفاظ على الموروث الثوري الجماهيري، انتزاع الديمقراطيات وتشييع تجارب الحكم العسكري الشمولي هو أمر يحتاج لارتقاء القِوَى السياسية والمهنية وقوى المجتمع المدني والطلائع الثورية التي صنعت التغيير الأخير في السودان، إلى طورها الطليعي في التواثق والتوافق على مشروع وطني قومي واحد للدولة السودانية، ينأى بها عن دائرة تكرار ظاهرة الاستفراد بالسلطة وحماية الديمقراطية والالتزام بدستور متفق عليه بين جميع السودانيين”.