الشعب يريد بناء سودان جديد. (cc) هند مكي |10 أبريل، 2019
ظل التنمر داخل قوى الحرية والتغيير السمة المسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الجلسات الاجتماعية. يصل التنمر في بعض الأحيان إلى مرحلة التخوين فيما بينهم. فما هي أسباب هذا التنمر المستمر؟ وما هو تأثيره على عملية الانتقال الديمقراطي، وأخيرا، كيف يمكن معالجة هذا الوضع؟
“هنالك الكثير من الحديث عن التنمر السياسي هذه الأيام في كل مكان تذهب إليه، وخاصة عبر وسائط التواصل الاجتماعي”، هكذا يصف القيادي في حزب الأمة القومي عروة الصادق وضع التنمر. ” لا يقوم الناس فقط بالتعبير عن آرائهم ضد السياسيين، ولكن السياسيين أنفسهم يتنمرون على الأشخاص الذين ينافسونهم أو يقفون ضدهم. ومعظم تصريحاتهم المتبادلة تتدرج من الصراحة إلى الوقاحة.”
يتفق نائب الأمين العام محمد علي شقدي أن المشكلة الكبرى هي أن المتنمرين هم الفاعلين السياسيين الذين يؤثرون في المجتمع ويتأثر بهم. “ما لم تع المكونات السياسية في السودان بخطورة التنمر الذي يحدث قد يؤدي ذلك إلى تفتيت النسيج الاجتماعي.”
التنمر خطير جدا حسب الصادق لأنه يؤثر فعلا على الحياة الاجتماعية و”وصل إلى أطفالنا في المدارس وطلابنا في الجامعة” بالإضافة إلى تأثيره على الانتقال السياسي. “بما أن واقعنا ينبئ بأن عدد الشباب والناشئة قد يتجاوز 70٪ من السكان فأستطيع الجزم بأن هذه النسبة بها ما يتجاوز الـ 70٪ من المتنمرين” يقول الصادق، مشيرا إلى أنه يجب دراسة هذا الأمر، وذلك لانتشار ظاهرة العزوف عن المشاركة الاجتماعية والسياسة بسبب السلوك الفظ والبلطجي السائد.
وقال الصادق بدلاً من تعلم معاملة الآخرين باحترام وكرامة، تلاحظ أن كثير من الأطفال والمراهقين يجدون من المتنمرين قدوة لهم وأن كبار القادة السياسيين في البلاد يشاركونهم أساليب التنمر وهو ذات النمط الذي يستخدمه الأطفال في المدرسة والجامعة.
“شهدت بأم عيني عملية التنمر على القوى السياسية خاصة حزب الأمة القومي وزعيمه الراحل الإمام الصادق المهدي لمحاولة عزله عن المشهد السياسي وبلغ الأمر وضع فيتو عليه بعدم دخول ساحة الاعتصام والصلاة فيها وهو أمر قادته قوى سياسية منافسة بصورة غير شريفة وهو أمر انعكس اليوم على تلك القوى بأن مارست عليها جماهير ذات السلوك وهذا سيضعف القِوَى السياسية ومن ثم الحاضنة ويهدد الانتقال برمته.”
وقال الصادق إن لم يتم تجاوز هذه السلوك في الوقت الحالي سيتضاعف في الفترة القادمة التي ستشهد إدماج قوات جديدة في عملية السلام من قوى مسلحة ستتحول لقوى سياسية، وقوى مدنية جديدة وافدة للسلك المدني، ووزراء جدد من إثنيات مختلفة وانتخابات قادمة يمكن أن تنسف فكرتها أساليب التنمر الحالية التي ترقى إلى درجة الاغتيال السياسي.
أضاف شقدى بان الظاهرة التنمر المقلقة يمكن إن تؤدي إلي كوارث وإفراغ الحقل السياسي من الكوادر القوية الفاعلة. “هجوم الكل على الكل، انتشار لغة التخوين والعمل على كسب النجومية من خلالها، القص واللصق دون أي أدنى مقدار من البحث والتأكد من صحة الأخبار أو مصادرها” كلها مظاهر للتنمر السياسي. وقال شقدي إن اللجنة القانونية في حزب المؤتمر السوداني قامت بفتح بلاغات في نيابة المعلومات حتى يتم محاسبة الذين ينشرون الشائعات ويحاولون جاهدين إن يجد ويخلق المواضيع ليتنمروا في الناس.
من جهته قال القيادي في التجمع الاتحادي عز العرب حمد النيل في حديثه لـ ‘الأضواء الإلكترونية’ إن الفترة الانتقالية تمثل الجسر الذي ينبغي أن ينظر إليه على أنه يوصل كل القوى السياسية و المدنية إلى ديمقراطية مستدامة.
“طالما أن مساحة الحرية مبذولة في هذا الجو لا بد أن يكون الشعار أقصى درجات التعاون بين هذا القوى بعيدا عن أي صيغة من صيغ التنمر ولا يأخذ في اعتباره التحولات الاجتماعية التي حدثت في المجتمع السوداني في ثلاثة عقود”، يقول حمد النيل.
الرأي الآخر
من جهته قال القيادي في حزب الشيوعي السوداني قرشي عوض إنه لا يري أي نوع من أنواع التنمر. “ما يحدث هو توضيح للحقائق حول ما حدث بعض ثورة ديسمبر العظيم التي سقط فيها شهداء.”
وأضاف عوض إنه لا يرى أي تنمر أنما يحدث هو اختلاف حقيقي في رؤى بين مكونات السياسية في طريقة حلها لمشكلة السودانية. وتابع رغم إن القوى السياسية قد وقعت على ميثاق الحرية إلا إن بعض القوى السياسية تراجعت عنه.
“الاختلاف يؤثر كثيرا على الانتقال ويحدث انقلاب” قال عوض، قبل أن يستدرك نفسه مفسرا أنه “ما لم تنجز الفترة الانتقالية مهامها سوف تأتي بتحول ديمقراطي هش، مما يفتح الباب أمام الانقلاب العسكري، تحت مسمي المنقذ”.
“المنقذين كذبة لا يستطيع حل المشاكل كما حدث منذ 1978م”، أضاف عوض. يجب علينا كلنا كقوى سياسية الرجوع لما توثق عليه وتأسف على أن بعض القوى تخلت عن ميثاق الحرية وتبعت بعد وصولها إلى السلطة سياسيات التحرير الاقتصادي الذي زاد معاناة الشعب السوداني.
وأكد عوض: “إذا كنا نسعى إلى تحول ديمقراطي حقيقي يجب أن نعمل على تنفيذ مهام الانتقالية وتنفيذ برامج الاقتصادية.”
الفرق بين التنافس والتنمر
قال المدافع الحقوقي أبو هريرة محمد عبد الرحمن أن التنمر ناتج عن غياب الحوار الراشد بين القوى السياسية. التنمر بين أعضاء الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين بعضهم البعض هذا أفقد الساحة الكثير من الروافد السياسية وكذلك أفقد إيمان الكثير من الشباب في توالي المناصب القيادية الرسمية خوفا من التنمر.
“ما يحدث يؤكد عدم تحمل الناس للديمقراطية والاختلاف بوسائل متحضرة تكمن في قبول الآخر وفي حرية التعبير دون تخويف، مع ضرورة مشروعية الاختلاف”.
“جوهر الديمقراطيات في العالم هو التنافس بين الأحزاب من أجل الوصول إلى السلطة بالوسائل الناعمة. وتحدث عملية التنمر بين الفاعلين السياسيين، ولكن بوعي وإدراك دون التأثير على المجتمع.” يقول الباحث الاجتماعي محمد حسين بله.
يمر السودان بلحظات تاريخية لتشكيل بنية سياسية واجتماعية. في ظل تحول ديمقراطي عسير وبنية ديمقراطية هشة للأحزاب نفسها – بسبب الدكتاتورية السابقة، فإن للتنمر خطورة على الديمقراطية نفسها. “على الأحزاب في السودان فهم طبيعة هذه المرحلة التاريخية الصعبة والعمل على تثبيت الإرادة السياسية ومخاطبة المواطن وكسر النظرة الشيطانية العامة لديه تجاه الأحزاب عموما و الائتلاف الحاكم خصوصا، و تأجيل المعارك الصغيرة حتى موعود الانتخابات العامة” يضيف بله.
هذا لا يحتاج إلي قوانين، حسب عبد الرحمن، إنما التسلح يكون بالوعي، لذلك “من الضروري أن تعي الأحزاب وقوى الثورة بخطورة التنمر وخطورة المرحلة، والحل في الحِوار الشامل للخروج بالبلاد لبر الأمان”.
تم إعداد هذه المادة الصحفية عبر دعم من ‘نحو سودان ديمقراطي’، مشروع من طرف الإعلام عبر التعاون وفي التحول (MiCT) وفريدريش إيبرت (FES)، وبمشاركة مركز الأضواء للخدمات الصحفية والإعلامية، بدعم من الوزارة الخارجية الألمانية.