منزل في منطقة أبيي المتنازع عليها. تقع أبيي الغنية بالنفط على حدود السودان وجنوب السودان وتطالب بها كلتا الدولتين.
(cc) موقع الأضواء | نانسي أليك كوال | مايو 2016


بعد الهجوم على قرية كولوم في أبيي، الذي أدى إلى مقتل العشرات، تعود قضية أبيي للواجهة، ضمن عدد من القضايا الأخرى التي كانت وربما ما تزال عالقة بين السودان وجنوب السودان.


بعد الثورة التي أطاحت بحكومة البشير، قال جون بيير لاكروا، وكيل الأمين العام لعمليات السلام، في تقرير قدمه إلى الأمم المتحدة حول السودان في 24 أكتوبر 2019 أن “هذه التطورات الإيجابية لم تسفر بعد عن التوصل إلى تسوية للحل النهائي في أبيي. ولم يحصل أي لقاء للجنة الخاصة بأبيي منذ نوفمبر 2017، ولم يُحرز أي تقدّم بعد في مجال إقامة مؤسسات حكومية مشتركة ومن بينها الشرطة والمحكمة والسجون.” وأشار لاكروا إلى أن ذلك يثير القلق لأن “الوضع الأمني في أبيي هشّ، وثمّة تصاعد في الجريمة ووجود عناصر مسلحة بشكل عشوائي في الشوارع.”

«الوضع الأمني في أبيي هشّ، وثمّة تصاعد في الجريمة.»

— جون بيير لاكروا، وكيل الأمين العام لعمليات السلام

وبالفعل لم تمض على تصريحات مسئول الأمم المتحدة سوى أشهر حتى أسفر هجوم مسلح على قرية كولوم في مقاطعة الآل بمنطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، عن مقتل العشرات، في 22 يناير 2020.

قال رئيس إدارية منطقة أبيي، كوال الور كوال، في تصريح لـ راديو تمازج، إن مجموعة مسلحة هاجمت قرية كولوم يوم الأربعاء [21 يناير 2019]، مما أسفر عن مقتل 29 شخصاً بينهم 9 أطفال وجرح 18 آخرين، هذا إلي جانب اختطاف 15 طفلاً وحرق عدد من المنازل.

وأكد كوال أن المهاجمين جاؤوا من المناطق التي تتبع لقبيلة المسيرية، مطالباً قوات الأمم المتحدة بتوفير الحماية لمواطني المنطقة من الهجمات، وأضاف: “ما حدث كارثة، قضية أبيي تذهب إلى منعطف خطير، مقتل 29 شخصاً في يوم واحد أمر مؤسف للغاية، لذا نطالب المجتمع الدولي والحكومة بحسم القضية”.

«إن الحكومة السودانية لن تسمح باستمرار مسلسل استرخاص الدم السوداني.»

— فيصل محمد صالح، الناطق الرسمي باسم الحكومة

وفي الخرطوم أدانت الحكومة الانتقالية الهجوم. قال الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح في بيان رسمي “إن الحكومة تجدد موقفها الداعية إلى حل قضية أبيي عبر الحوار والتفاهم والتعايش المشترك بين المجتمعات المختلفة في المنطقة”. ودعا البيان قوات اليونيسيفا الموجودة بالمنطقة للتحرك لضبط الأوضاع الأمنية وحماية المدنيين. “إن الحكومة السودانية لن تسمح باستمرار مسلسل استرخاص الدم السوداني في أي بقعة من بقاع السودان وستعمل بكل حزم لحماية المدنيين العزل وصون كرامتهم”، أكد صالح.

بعد لقاء بين النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) برئيس دولة جنوب السودان الفريق سلفاكير ميارديت، أعلن حميدتي، عن تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث أبيي، وتعهد بالعمل على كشف المتورطين في الأحداث ومحاسبتهم حتى لا تتكرر مستقبلاً.

“من جانبه أكد السيد توت قلواك رئيس فريق الوساطة الجنوبية ومستشار الرئيس سلفاكير للشؤون الأمنية، إدانة حكومة جنوب السودان للأحداث المؤسفة في منطقة أبيي، موضحا أن السودان وجنوب السودان اتفقا على تكوين لجنة مشتركة من البلدين للتحقيق في الحادثة،” حسب الوكالة السودانية للأنباء (سونا).

ووصف حميدتي ما حدث بالعمل التخريبي الذي يستهدف عملية السلام التي تجري في جوبا، وعبر عن أسفه لسقوط ضحايا. هذا وحمل دقلو قوات اليونسفا مسؤولية الحادث باعتبارها مسؤولة عن حماية مواطني المنطقة، باعتبارها منطقة منزوعة السلاح ولا توجد بها قوات عسكرية، ودعاها للاضطلاع بدورها في حماية المواطنين.”

وكشف حميدتي عن مشاورات مع حكومة جنوب السودان لإيجاد آلية لحماية مواطني المنطقة من خلال تشكيل قوات مشتركة.

وفي ظل الأوضاع الجديدة التي أفرزتها الثورة الشعبية في الخرطوم، يعتقد الكثيرون أن السودان ودولة جنوب السودان يمكنهما أن يصلا إلى تفاهم مشترك كبير بين الدولتين نتيجة لوجود رغبة مشتركة، لا سيما من جانب الحكومة الانتقالية في السودان، والتي كثيراً ما تحمل النظام السابق مسئولية انحدار العلاقة بين الخرطوم وجوبا إلى ذلك المستوى من القطعية عقب انفصال جنوب السودان.

تعود قضية أبيي لانفصال جنوب السودان عن السودان في 2005. وضعية أبيي الفريدة هي أنها ليست فقط على الحدود بين السودان وجنوب السودان، بل هي منطقة يطالب بها جنوب السودان، ولكنها تحت إدارة السودان.

في عام 2012 قدم الاتحاد الإفريقي مقترحاً بإجراء استفتاء أبيي في أكتوبر من العام نفسه بمشاركة عشائر دينكا نقوك التسع والسكان المقيمين في المنطقة مع الاحتفاظ بالحقوق السياسية لقبيلة المسيرية.

رفضت حكومة الخرطوم المقترح لكونه تجاوز حقوق قبيلة المسيرية في التصويت، أي أن نتيجة الاستفتاء كانت ستكون ضد مصالح السودان. وقبلت حكومة جوبا اقتراح الاتحاد الإفريقي. بقيت القضية معلقة حتى أكتوبر 2013، عندما قررت عشائر دينكا نقوك التسع في أبيي إجراء استفتاء أحادي لضم المنطقة إلى دولة جنوب السودان. رفض مجلس السلم الإفريقي نتائج الاستفتاء وقرر إيقافه، ومنذئذ ظلت القضية معلقة بين الطرفين.

وتتعلق قضية أبيي بعدد من القضايا الأخرى التي كانت تعرقل العلاقات بين السودان وجنوب السودان. وإن كان بعض تلك القضايا حدث فيها تقدم، بعد التغيير الذي شهدته الخرطوم والمتمثل في الإطاحة بحكومة البشير، إلا أن هناك قضايا لا تزال تراوح مكانها وبعضها تراجع إلى الخلف.

الحدود: أين هو الخط الصفري؟

أكد اتفاق أديس أبابا على ضرورة ترسيم الحدود، أي تحديد الخط الصفري، وانسحاب الجيشين إلى داخل أراضي البلدين.

في 29 يناير 2016 أصدر رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت أوامر لوحدات الجيش بالانسحاب الفوري إلى مسافة خمسة أميال من الحدود مع السودان، لكن الأطراف فشلت في تحديد الخط الصفري.

في 27 يناير أمر الرئيس السوداني عمر البشير بفتح الحدود في أعقاب إشارات إيجابية صدرت من رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير، بعد أن أبدى هذا الأخير استعداده للتطبيع الكامل وتفعيل اللجان المشتركة.

لكن مسألة الحدود المُسيسة لا تزال متقلبة. في 1 نوفمبر 2017، أعلن الجانبان أن عملية ترسيم الحدود بين البلدين ستبدأ خلال الستة أشهر المقبلة. قال وزير الدولة برئاسة الجمهورية آنذاك الرشيد هارون، حسب وكالة الأنباء السودانية (سونا)، إن الجانبين بحثا ترسيم الحدود بين البلدين والإنجازات التي تحققت والقضايا العالقة” وأنهما “اتفقا على الاستمرار في الاجتماعات المشتركة، ورفع تقرير متكامل خلال الستة أشهر القادمة حول وضع الحدود، توطئه للشروع في عملية ترسيم الحدود”.

هذا ذات الأمر الذي أكدّه رئيس المفوضية من جنوب السودان مايكل ماكوي بقوله إن الاجتماع وقف على القضايا العالقة والتقرير الذي سيقدم للرئيسين السوداني – آنذاك – عمر البشير، والجنوب سوداني سلفاكير ميارديت.

ومضت حكومة البشير دون أن تصل بقضية الحدود إلى نهايتها. وفقاً لرئيس المفوضية القومية للحدود، فإن عمل اللجان الفنية استمر سبع سنوات، عقدت خلالها 120 اجتماعاً، بيد أنه أشار إلى أن الطرفين سيحددان وجهتي نظريهما بشأن المناطق المختلف عليها، لتُبحث في اجتماع أديس أبابا.

وفي عهد الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أعلن السودان وجنوب السودان في 23 أكتوبر 2019، التوافق مبدئياً على قضية ترسيم حدود الدولتين، ووقّعا بالأحرف الأولى تقريراً ختامياً وضعته لجان الترسيم المشتركة بالخرطوم.

وقال رئيس لجنة الترسيم من الجانب السوداني، الأمين محمد بانقا، وفقا لصحيفة ‘الشرق الأوسط‘ إن اللجنة المشتركة أعدت الأوراق والمستندات الخاصة بالحدود، وتضمنت ترسيم الخط المتفق عليه، وخطاً تفصيلياً مع إحداثيات المسار، والخرائط المرفقة، لتكتمل أعمال اللجان الفنية منتصف الشهر المقبل في اجتماع يعقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وينتظر، حسب بانقا، أن تقدم اللجان الفنية تقريرها، بعد مناقشة المناطق الحدودية المتنازعة، لمفوضية ترسيم الحدود المشتركة في البلدين. هذا وقال رئيس اللجنة من جنوب السودان داريوس قرنق بول “يمكن وصف اتفاقية الحدود بالمكتملة”، وإن الطرفين أكملا ترتيبات الميزانية وخطط العمل.

«يمكن وصف اتفاقية الحدود بالمكتملة.»

— داريوس قرنق بول، رئيس لجنة ترسيم الحدود جنوب السودانية

مواطنون أم أجانب؟

في 18 مارس 2016 قرر مجلس وزراء الحكومة السودانية معاملة مواطني دولة جنوب السودان المقيمين على أراضيها كأجانب فيما يتعلق بخدمات الصحة والتعليم، إضافة إلى التحقق من هوية الجنوبيين المقيمين بالسودان واتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من لا يحمل جواز سفر وتأشيرة دخول رسمية خلال أسبوع.

أثارت هذه الخطوة صدمة بين المهاجرين، فقد ناقضت قرارات سابقة قضت بمعاملتهم كمواطنين سودانيين. وجاء هذا التطور وسط تصاعد التوتر بين السودانيين واتهام الخرطوم لجوبا بإيواء المتمردين. في المقابل، هدد وزير الإعلام في دولة الجنوب مايكل مكاوي بمعاملة مواطني السودان الموجودين في دولة الجنوب بالمثل.

ولم تتغير أوضاع المواطنين الجنوبيين في السودان، إلا بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام البشير في أبريل 2019. في أول زيارة له لدولة جنوب السودان في سبتمبر 2019، قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في حوار نقلته الأناضول: “اتفقنا على فتح الحدود والمعابر التجارية بين البلدين (لم يحدد تاريخا) لتسهيل حركة التجارة والناس من دون أية عوائق.”

«اتفقنا على فتح الحدود والمعابر التجارية بين البلدين.»

— عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني

كم ثمن النفط؟

قرر السودان في 28 نوفمبر 2019، تمديد الاتفاقية الخاصة بنقل وتصدير نفط دولة جنوب السودان، عبر الأراضي السودانية، حتى مارس 2022. وقال وكيل وزارة الطاقة والتعدين السوداني، حامد سليمان حامد، في بيان صحفي وفقا لوكالة السودان للأنباء، “إن المباحثات ناقشت تمديد اتفاقية نقل خام الجنوب الذي ينقل عبر السودان، إلى الموانئ لغرض التصدير، ومتابعة سير تنفيذ الاتفاقية التي وقعت في 2012”.

وتنص الاتفاقية التي تم التوقيع عليها سنة 2012 على رسوم عبور البترول عبر الأراضي السودانية. يعتبر النفط العمود الفقري لاقتصاد جنوب السودان، وفقدان عائدات النفط ترك آثاراً سلبية عميقة على موارد السودان المالية بعد الانفصال. مما يجعل الرسوم موضوعاً ساخناً لكلا البلدين. حدد الطرفان بمساعدة الوسطاء مبلغ ما بين ٢٤ و٢٦ دولاراً للبرميل الواحد.

هذا المبلغ يضم 11 دولار/برميل، كرسوم للنفط الذي يتم نقله عبر مرافق شركة النيل الكبرى لعمليات البترول، وهي شركة صينية – ماليزية تعمل في حقول ولاية الوحدة. هذا المبلغ (11 دولار/برميل) يتضمن 1.60 دولار/برميل كرسوم معالجة، و8.40 دولار/برميل كرسوم النقل، ودولاراً واحداً/برميل كرسوم عبور.

أما بالنسبة للنفط الذي يُنقل عبر مرافق شركة برتودار، وهي شركة صينية – ماليزية أيضاً تعمل في حقول ولاية أعالي النيل، فيصل المبلغ الذي يدفعه جنوب السودان إلى 9.10 دولار/برميل. هذا المبلغ يضم 1.60 دولار/برميل كرسوم المعالجة، 6.50 دولار/برميل كرسوم النقل، ودولاراً واحداً/برميل كرسوم عبور.

يضاف إلى هذه الرسوم مبلغ 3.028 مليار دولار، الذي على جنوب السودان دفعه للسودان كإجراءات اقتصادية انتقالية، بحصة 15 دولاراً للبرميل الواحد.

غير أنه بعد اندلاع الحرب في دولة جنوب السودان وانخفاض أسعار البترول عالمياً، اختلت الموازين الاقتصادية بالنسبة للدولة الوليدة، مما جعل جوبا تطلب من الخرطوم تخفيض رسوم عبور النفط وفقاً لاتفاق التعاون المشترك. وكشف برنابا بنجامين ماريال، وزير الخارجية السابق لجنوب السودان، في 11 يناير 2016 عن طلب تقدمت به بلاده إلى حكومة السودان لتخفيض النسبة التي يحصل عليها السودان من عائدات نفط الجنوب نظير استخدام المنشآت النفطية السودانية. وعزا ماريال في مقابلة مع برنامج ‘فوق العادة’، الذي تبثه قناة ‘الشروق’، “الخطوة لانخفاض الأسعار العالمية للنفط.”

لكن وزير المالية السوداني بدر الدين محمود قال أمام البرلمان السوداني في 20 يناير 2016 “إن دولة الجنوب أخفقت في سداد رسوم عبور النفط، وإن الخرطوم اضطرت لأخذ نصيبها عيناً، وفقاً لنصوص الاتفاقية الموقعة بين البلدين”، وكشف عن ترتيبات فنية تجريها الحكومة السودانية تحسباً لإغلاق جوبا أنابيب النفط”.

بعد يوم واحد فقط من هذه التصريحات، نقلت الوكالة السودانية للأنباء (سونا) عن مصادر حكومية أن الرئيس السوداني البشير وافق على تخفيض المحصلة المالية للإجراءات الاقتصادية الانتقالية المتعلقة بعبور نفط دولة جنوب السودان عبر الأراضي السودانية.

هذا التخفيض لم يمس المبلغ الكامل الذي على جنوب السودان دفعه، أي 3.028 مليار دولار، ولكن أدى إلى تخفيض المبلغ المخصص لكل برميل نفط، وبالتالي تمديد مدة الدفع من مدة ثلاث سنوات ونصف، التي تم الاتفاق عليها أولياً.

من يأوي من؟

فيما يخص هذه القضية نص اتفاق التعاون بين السودان وجنوب السودان لسنة 2012 بألا تأوي أي دولة معارضين مسلحين لأي دولة أخرى. ولكن لم يمر وقت طويل حتى بدأت الدولتان تتبادل الاتهامات.

اتهمت الحكومة السودانية حكومة دولة جنوب السودان بعدم فك ارتباطها مع الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية – شمال. وعندما تمرد رياك مشار نائب رئيس حكومة دولة الجنوب حينها في منتصف ديسمبر 2013 على حكومة سلفاكير، أصبحت جوبا تتهم الخرطوم بدعم مشار.

ولكن الحكومة السودانية السابقة بقيادة عمر البشير، دخلت في وساطة في العام 2018 بين حكومة دولة جنوب السودان بقيادة سلفاكير ميارديت وزعيم المعارضة الجنوبية، أسفر عن توقيع اتفاق بين الأطراف المتنازعة، وخلق نوعا من التوافق بين الخرطوم وجوبا في هذا الملف.

طرح الرئيس سلفاكير وساطة بين المتمردين السودانيين والحكومة السودانية الانتقالية عقب الثورة التي أطاحت بحكومة عمر البشير، ولا تزال هذه المفاوضات تجري في العاصمة جوبا.