مواطنون يحتفلون بإسقاط عمر البشير في الخرطوم.
‏(cc) موقع الأضواء | محمد هلالي | 11 أبريل 2019


لعبت المرأة دورا حيويا خلال انتفاضة العام الماضي، وكانت في غالب الأحيان في طليعة الاحتجاجات في السودان. تعلق آلاء إلياس أن هذا الدور ليس غريبا على المرأة السودانية المعروفة عبر التاريخ بأنها مناضلة ومثابرة ومصدر إلهام.


يروي تاريخ السودان العديد من القصص حول الكنداكة، وهي كلمة نوبية قديمة تعني ‘المرأة القوية’. كانت هذه الكلمة تستخدم كلقب للملكات وأمهات الملكات في مملكة الكوش الأفريقية القديمة في النوبة، التي تقع في وادي النيل السوداني وجنوب مصر.

كانت أماني ريناس أول كانداكة، وقد خلفت زوجها وخاضت حربًا عنيفة ضد الرومان لاستعادة أرضها المسروقة. خلال فترة حكمها، اكتسب لقب كنداكة معنىً جديداً أقرب إلى ‘الملكة العظيمة’.

أما الكنداكة الثانية فكانت أماني شاخيتي، التي تولت العرش بعد وفاة أماني ريناس. حققت الملكتان الرخاء والثروة لنفسيهما ولشعبيهما.

كنداكة (رسم: http://theblklst.blogspot.com/)
كنداكة (رسم: http://theblklst.blogspot.com/)

مسترشدات بخطى هاتين الملكتين العظيمتين اللتين لم تعرفا الخوف، قادت النساء السودانيات من جميع الأعمار والخلفيات بشجاعة ثورة العام الماضي التي أنهت حكم عمر البشير الذي دام 30 عامًا، وقدمن للعالم كنداكات اليوم – نساء قادرات، يكافحن بقوة لحماية بلدهم وحقوقهم.

خلال أشهر الاحتجاجات التي اجتاحت السودان، أعلنت زغرودة امرأة عن بدء كل مظاهرة أو مسيرة.

معاناة لعقود

تحملت المرأة العبء الأكبر الناتج عن الوضع الاقتصادي القاسي وارتفاع الأسعار. في معظم الأحيان، المرأة هي المسئولة عن رعاية كافة أفرد الأسرة، فهي التي تدير شؤونهم. وفي بعض الأحيان، يتجاوز دورها دعم الأسرة ماديا، لتكون مصدر دخل الأسرة الوحيد.

ومن المؤكد أن النساء كن الأكثر تأثرا بسياسات النظام السابق التي أضعفت، أذلّت و ميّزت ضد النساء. مع معاناتها على مدى عقود من تسلّط نظام البشير، كانت المرأة السودانية بحاجة إلى التغيير.

تم استخدام القانون لتخويف النساء وإهانتهن.

أحد أكثر القوانين إساءة للمرأة كان قانون النظام العام الذي صادقت عليه الحكومة السودانية في ولاية الخرطوم سنة 1992، لتقوم بتعديله سنة 1996 قبل أن يصبح نافذا في جميع الولايات.

تضمّن القانون العديد من المواد والأحكام التي صيغت بلغة غامضة، لإعطاء الشرطة والمحاكم الحرية في تنفيذها.

نصت المواد الواردة في هذا القانون على أن لدى الشرطة صلاحيات القبض على – ومعاقبة – أي امرأة تتورط في عمل ‘غير أخلاقي’، لا يراعي العادات والتقاليد.

المعضلة الواضحة هي أنه لم يكن هناك معيار يرسم بوضوح حدود العمل الأخلاقي. لذلك، تم استخدام القانون لتخويف النساء وإهانتهن كما حدث مع الصحفية لبنى عبد العزيز.

تعرضت عبد العزيز للضرب بسبب تهمة ‘الزي الفاضح’، وكان هذا الزي في حالة لبنى بنطالا. كانت عبد العزيز معروفة كناشطة، وأرادت الشرطة تخويفها، مبررة ذلك بقانون النظام العام.

منح القانون الشرطة كذلك الحق في القبض على النساء بشكل تعسفي. فعلى سبيل المثال، كانت بائعات الشاي يتعرضن للاعتقال بحجة أنهن يعكرن صفو النظام العام. وقد سلب هذا القانون من العديد من بائعات الشاي الدخل الذي كُنَّ يجنينه لرعاية أسرهن.

«لقد شاركت في الثورة لأنني لم أستطع تحمل الظلم.»

— ابتسام عبد الرحيم، ناشطة

تقول الناشطة ابتسام عبد الرحيم، والبالغة من العمر 26 عاماً: “لقد شاركت في الثورة لأنني لم أستطع تحمل الظلم”. “خرجت لأطالب بحقوقي المسروقة كمواطنة وامرأة. لقد أردنا الحرية وحياة أفضل وأردنا العدالة لإخواننا الذين قتلوا”.

شاركت عبد الرحيم بانتظام في الاحتجاجات، حتى تعرضت في أحد الأيام للضرب على أيدي قوات الأمن وانتهى بها المطاف بساق مكسورة. وتشرح عبد الرحيم ما حصل لها بالقول: “في كل مرة كنا نخرج فيها إلى الشوارع، لا سيما نحن النساء، كنا نواجه بالعنف الغاشم. لقد كسرت ساقي نتيجة لهذا العنف”.

السعي لحياة أفضل

نظرا إلى عقود من قمع الدولة التي أثرت بعمق على المجتمع، لم يكن من السهل دائمًا على النساء أن يلعبن دورًا نشطًا خلال الانتفاضة.

“لم تعرف عائلتي أنني كنت أخرج للمشاركة في الثورة في البداية، وعندما عرفت لم توافق على خروجي” تقول عبد الرحيم، مضيفة أن العديد من العائلات لم توافق على مشاركة النساء في التظاهرات.

وتقول رنيم الأمين، وهي طالبة تبلغ من العمر 18 عامًا أن وجهة نظرها قريبة من وجهة نظر والدتها، التي كانت هي الأخرى مدافعة قوية عن الثورة.

“لكن والدي، مثل معظم الآباء الآخرين، لم يكن مسرورًا بمشاركتنا وكنا دائمًا نتجادل. لقد كان وقتًا عصيبًا جدًا بالنسبة لي”، تفسر الأمين.

«والدي، مثل معظم الآباء الآخرين، لم يكن مسرورًا بمشاركتنا.»

— رنيم الأمين، طالبة

جاءت المعارضة أيضا من النساء اللواتي كن على ‘الجانب الآخر’.

بينما كانت العديد من النساء يشاركن في الاحتجاجات، عدد كبير من النساء أيضا كن يدعمن النظام، كما كتبت كل من ريم جعفر وأمنية شوكت في تعليق لهما على African Feminism. “إنهن يمتدحن النظام في البيوت والأحياء والتجمعات الاجتماعية”.

في مقالتهما، وضحت كل من ريم وأمنية أن “الطبيعة السودانية المحافظة نسبياً التي جاءت مترافقة مع ضعف التعليم والطاعة الراسخة للسلطة الأبوية تجعل من السهل اجتذاب هذه القاعدة النسوية والحصول على دعمها”.

لكن على الرغم من العنف القاسي، والمعارضة من عائلاتهن والنساء الأخريات، استمرت الناشطات في تحدي قمع وسلطة النظام والمجتمع، وإرسال رسالتين واضحتين، وفقًا لريم وأمنية: نحن لا نخاف ونحن لن نتراجع.

لم يتراجع المتظاهرون السودانيون، وسقط نظام البشير، وتم تشكيل حكومة انتقالية – وهذا انتصار لكل السودانيين، مما أثار الأمل في مزيد من المساواة، لا سيما بين النساء.

«آمل رؤية المزيد من النتائج.»

— ابتسام عبد الرحيم، ناشطة

“أنا راضية عن العديد من الأشياء التي حققناها، لكنني بالتأكيد آمل رؤية المزيد من النتائج” تقول الناشطة ابتسام عبد الرحيم.

تتفق الطالبة رنيم الأمين مع عبد الرحيم، لكنها تنبه إلى ضرورة تعزيز هذه المنجزات مع مرور الوقت، حتى تصبح “حقيقة حية”. وتضيف “آمل أن يكون لدى الشعب السوداني ما يكفي من الصبر لرؤية هذه المنجزات.”

ولكي تصبح الحرية والمساواة والعدالة حقيقة مُعاشة لكل فرد في السودان، يجب أن يستمر النضال. وتشكل عناصر الثورة المضادة داخل المجتمع السوداني خطرا محدقا لما تم تحقيقه.

ولكن يبقى الأمل أن تستمر المرأة السودانية في كونها منبعا للتحدي، تقاوم أي ردة عنيفة وتحقق التغييرات المرغوبة التي يحتاجها البلد ومواطنوه بشكل عاجل.