الدكتور حيدر إبراهيم في الخرطوم.
(cc) موقع الأضواء | موسى حامد | 12 ديسمبر، 2019


في هذه المقابلة، يجيب د. حيدر إبراهيم علي، عالم الاجتماع السياسي، والمفكّر السوداني، على سؤال: ما هو مصير الإسلاميين في السودان، بعد سقوط نظامهم، في الحادي عشر من أبريل 2019؟


صدر للدكتور حيدر العديد من المؤلفات، أبرزها “سقوط المشروع الحضاري”، “أزمة الإسلام السياسي”، “مراجعات الإسلاميين السودانيين”، و”الأمنوقراطية وتجدُّد الاستبداد في السودان”.

في هذه المقابلة، يجيب د. حيدر إبراهيم علي، عالم الاجتماع السياسي، والمفكّر السوداني، على سؤال: ما هو مصير الإسلاميين في السودان، بعد سقوط نظامهم، في الحادي عشر من أبريل 2019؟

سؤال: لو أردنا وضع إطار أولي، قبل الإجابة على مستقبل الإسلاميين في السودان، واضعين في الاعتبار دولتهم التي استمرتْ لثلاثين عاماً، ما هو هذا الإطار برأيك؟

جواب: الدولة الدينية سواء كانت إسلامية، أو يهوديّة، أو غير ذلك، وهمٌ كبير. أنت لا تستطيع إقامة دولة دينية لديها سلطة سياسية. ببساطة، لأنّ الدولة الدينية تتدخّل في الحريات الفردية وفي حرية العقيدة، وغيرها. ولو خرج أي شخص من أفراد الدولة من عقيدته إلى عقيدة أخرى، فإنّ الدولة الدينية تُقيمُ عليه حد الردّة أو الخروج من الدين، وبالتالي تُوجد مبرراً لقتله. وعليه، فأنت بذلك انتهكت في سياق الدولة الدينية حقه في الحياة، وقبل ذلك حقه في التفكير.

سؤال: كيف ترى تعامل السودانيين مع الإسلاميين السودانيين، بعد أنْ ثاروا على حكمهم، وخلعوه؟

جواب: الثورة لم تكن انتقامية، والسودانيون متسامحون بطبيعتهم، هذه حقيقة. رأينا التغيير في ليبيا، وما حدث للقذافي. ورأينا التغيير في العراق، وما حدث لصدّام حُسين. السودانيون لم يقوموا بأفعال مثل هذه ضد الإسلاميين.

« الثورة لم تكن انتقامية، والسودانيون متسامحون بطبيعتهم. »

— د. حيدر إبراهيم

سؤال: من أين هذا التسامح؟

جواب: هذا يرجع إلى نشأتهم. تسامح السودانيين مع الإسلاميين، وهم يعلموا بأنّ الإسلاميين من أدخل التعذيب في الحياة السياسية، لكن بالرغم من ذلك، فإنّ الذين وقع عليهم التعذيب والانتهاك، لم يحاولوا الانتقام.

سؤال: ألا يُلمح تناقضٌ ما في إفادتك؟ أليس الإسلاميون هم جزء من المجتمع السوداني الذي تصف أفراده كونهم متسامحون بطبيعتهم؟

جواب: الإخوان المسلمون في السودان تربّوا تربية خاصة جداً. تربية فصلتهم عن سودانيتهم، وبالتالي هم ليسوا وطنيين، لأنهم يتحدثوا عن الأمة الإسلامية، وليس الوطن السوداني. الوطن بالنسبة لهم، منصة ليقفزوا بها لتكوين أمة إسلامية تحكم العالم. ومقولة “نحن أساتذة العالم”، التي يُرددها كل من حسن البنّا وسيد قطب، يستبطنها الإسلاميون السودانيون. ولديهم شعور بأنّهم أفضل من بقية السودانيين.

سؤال: الإسلاميون في السودان، هل هم كتلة واحدة، أو أن الفروقات بينهم واضحة؟

جواب: الإسلاميون السودانيون أنتجوا طائفة أخرى. وكان لديهم عبادة الفرد لزعيمهم د. حسن الترابي. صحيح لديهم من تخرج من الجامعة، ومن يُصنف منهم مثقفاً، لكنهم آثروا أن يعبدوا الترابي. ولذلك تجد المفكرين داخل الحركة الإسلامية قلة جداً. كان الترابي يفكر بالنيابة عنهم، بالرغم من أنّ الترابي ليس مفكراً، وإنما سياسي براغماتي. المفكر بالنسبة لي من يُنتج أفكاراً، فما هي الأفكار التي أنتجها الترابي؟ الترابي كان يتلاعب بألفاظ مثل التوالي وغيرها، وهي كلمات ليس لديها معنى.

سؤال: ما الذي تتوقّعه للإسلاميين من مستقبل؟ وقبل ذلك: ما هو مستقبلهم؟

جواب: ليس لديهم مستقبل، لأنّ الناس جرّبوهم. بالعكس، أنا أقول لو أنّ هناك تيار من من العلمنة حدث في السودان، فبسبب الحكم الإسلامي. وكثيرا ما تسمع أشخاص عاديين يقولون: جرّبنا الحكم الإسلامي، فماذا كانت النتيجة؟ وفي المثل أيضاً: المجرّب لا يُجرّب. وعليه فليس لديهم مستقبل في السودان.

« إلى الآن لم أقرأ أو أسمع أحد الإسلاميين تقدّم بنقد أو اعتذار لما ارتكبوه من أخطاء كبيرة في حق السودانيين، طوال الثلاثين عاماً الماضية. »

— حيدر إبراهيم

سؤال: هذا عن المستقبل القريب في الفترة الانتقالية، فماذا عن المستقبل البعيد؟

جواب: لا في القريب، ولا في البعيد. هؤلاء حكموا بصورة منفردة لثلاثين عاما، وقاموا بكل ما يُريدون القيام به، فماذا كانت النتيجة؟ هؤلاء أنتجوا نظام البكور، فصاروا يُجبروا الناس على النوم، والاستيقاظ بحسب رغبتهم وتفكيرهم. بل إنّ هؤلاء أنتجوا قانون النظام العام.

سؤال: هناك من يقول بأنّ للإسلاميين القدرة على المراجعات، وأنت كتبت كتاباً بعنوان “مراجعات الإسلاميين”، هل تتوقع أن تُخرجهم مراجعاتهم، ويكون لهم مستقبل، مثل حزب النهضة في تونس؟

جواب: لو تحقّق ذلك، فلن يكونوا إسلاميين. يمكن أنْ يكونوا أي شيء آخر، لكنهم لن يكونوا إسلاميين.

سؤال: هناك العديد من إسلاميي السودان ينظروا باحتفاء لتجربة راشد الغنوشي في تونس، باعتبارها مختلفة، وأنها تستحق الاحتفاء والاتباع؟

جواب: لا وجود للشريعة الإسلامية في حزب النهضة، وهو ما قام به راشد الغنوشي. وعليه لا أعتبره حزباً إسلامياً بسبب أن الغنوشي بالنسبة لي هو امتدادٌ للحبيب بورقيبة.

« ما حدث للنازية في ألمانيا، هو ما سيحدث للإخوان المسلمين في السودان. »

— حيدر إبراهيم

سؤال: وما الذي تتوقعه من مستقبل بالنسبة لهم؟

جواب: أنا أقارن مستقبلهم بالنازية في ألمانيا. ما حدث للنازية في ألمانيا، هو ما سيحدث للإخوان المسلمين في السودان.

سؤال: هل لديهم القدرة على تنظيم صفوفهم مرة أخرى؟

جواب: هؤلاء ليس لديهم فكر. فقط كان لديهم إعلام ومال، واستغلوهما.

سؤال: افتراضاً، لو قدر لهم إنتاج نُسخ متطورة ومراجعة أفكارهم، هل تتوقع أن يتقبلهم الناس؟

جواب: ليس لديهم القدرة، لأنهم عطّلوا تفكيرهم طوال الثلاثين عاماً. هناك إسلاميون عندما كان يُقال لهم هناك بيوت تعذيب وأشباح، لتعذيب الخصوم السياسيين، كانوا ينفون ذلك، حتى لو رأوا ظهور المعذبين. بل وأكثر من ذلك لديهم مكابرة عجيبة، فإلى الآن لم أقرأ أو أسمع أحد الإسلاميين تقدّم بنقد أو اعتذار لما ارتكبوه من أخطاء كبيرة في حق السودانيين، طوال الثلاثين عاماً الماضية. وأصدق مثال على ذلك إبراهيم غندور، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول، وهي أحاديث ليس فيها أدنى احترام.

سؤال: هذا فيما يخصهم كحزب وجماعة إسلامية، فما هو مصيرهم كأفراد؟

جواب: حتى قبل إسقاط نظام الإنقاذ، كانت هناك مراجعات من إسلاميين كثيرين، أبرزهم: الطيب زين العابدين، عبد الوهاب الأفندي، التجاني عبد القادر، وغيرهم. لكن سؤالي: ما الذي يتبقى من هذا الشكل من التفكير؟ وما يتبقى من الإسلاموية فيه؟ مثلاً: عندما تتحدث أنت كإسلامي عن الديمقراطية، وعن حقوق الإنسان، تتحول مباشرةً إلى ليبرالي، وبالتالي: ما الذي تبقى منك كإسلامي؟

“عندما تتحدث أنت كإسلامي عن الديمقراطية، وعن حقوق الإنسان، تتحول مباشرةً إلى ليبرالي، وبالتالي: ما الذي تبقى منك كإسلامي؟”

— د. حيدر إبراهيم