تظاهرات في الخرطوم.
موقع الأضواء | ياسر هارون | أبريل، 2019


تباينتْ الآراء حول مصير إسلاميّي السودان، عقب سقوط نظامهم في 11 أبريل 2019، نتيجة لثورةٍ شعبيةٍ سلمية، بين انعدام أي مستقبلٍ لهم، وبين رابطٍ لمستقبلهم بعددٍ من الخُطوات.


قطع عالم الاجتماع السياسي، والمفكّر السوداني د. حيدر إبراهيم، في حوارٍ أجراه ‘موقع الأضواء’، بانعدام أيُّ مستقبلٍ للإسلاميين السودانيين. لأنّ السودانيين جرّبوهم طوال ثلاثين عاماً، ولن يُجرّبوا المجرّب مرةً أخرى.

ورداً على المراجعات التي يُجريها إسلاميون، في محاولةٍ منهم لإنتاجٍ نُسخةٍ أخرى من الحركة الإسلامية السودانية، مثل ما قام به راشد الغنوشي في تونس، فيها الديمقراطية، وتقبّل الآخر، وغيرها من المفاهيم الإنسانية، قال د. حيدر بشكلٍ مباشرٍ: “لو تحقّق ذلك، فلن يكونوا إسلاميين. يمكن أنْ يكونوا أي شيء آخر، لكنهم لن يكونوا إسلاميين”. ويمضي حيدر في الرد: “لا وجود للشريعة الإسلامية في حزب النهضة، وهو ما قام به راشد الغنّوشي. وعليه لا أعتبره حزباً إسلامياً لأن الغنوشي بالنسبة لي هو امتدادٌ للحبيب بورقيبة”.

يتفق الهادي محمد الأمين، الصحفي والكاتب المختص في الجماعات الإسلامية، مع رأي د. حيدر، إذ يقطع بدوره بألا مستقبل سياسي للإسلاميين السودانيين. ويرى الهادي بأنّهم الآن المعوّق لعملية التغيير والانتقال إلى الدولة المدنية، أو الديمقراطية. ويُضيف الهادي لـ ‘موقع الأضواء’:” الإسلاميون لديهم قدرة بارعة جداً في صناعة المؤامرات، والتعويق، مستعينين في ذلك بتحالفاتهم داخلياً بالجماعات الإسلامية والسلفية، وخارجياً بالدول التي ظلّت قريبة منهم، وتُقدّم له العون والدعم”.

«الإسلاميون لديهم قدرة بارعة جداً في صناعة المؤامرات، والتعويق.»

— الهادي محمد الأمين، مختص في جماعات الإسلامية

ويمضي الهادي: “إسلاميو السودان، مقتنعون بأنّ التغيير أزاحهم عن الدولة والسلطة، بل وأكثر من ذلك، هم على قناعة بالرفض الكبير والواسع لأفراد المجتمع لهم، ولأفكارهم. بل إنّ الظروف الاجتماعية لا تسمح لبروزهم مرةً أخرى، لكن بالمقابل لديهم طاقات هائلة، أتوقّع أنْ يتم استثمارها في العرقلة والحرائق، مستفيدين من العلاقة الهشّة والضعيفة بين مجلسي السيادة والوزراء”.

لكن راشد عبد القادر، أحد الشباب الإسلاميين الناشطين في ثورة ديسمبر 2018، يربط مستقبل الإسلاميين السودانيين، بأمرين، أولهما تركهم ما يقوموا به الآن من تعويق للحكومة الانتقالية وعملها، وثانيهما إعادة ترميم تنظيمهم، ومحاولة إنتاج خطاب إسلامي جديد مرتبط بالبرنامج، والقيم الإنسانية، وليس الإيديلوجيا.

«الإسلام بالأساس يستوعب القيم الإنسانية.»

— راشد عبد القادر، أحد الشباب الإسلاميين الناشطين في الثورة السودانية

ويشرح عبد القادر فكرته لـ ‘موقع الأضواء’: “إذا نجح الإسلاميون في السودان أنْ يطرحوا إسلاماً سياسياً يتوافق مع القيم الإنسانية المطلقة، لأن الإسلام بالأساس يستوعب القيم الإنسانية، في هذه الحالة سيكون للإسلاميين مستقبل”.

إجراء المراجعات، ومحاولة إنتاج خطاب جديد، هو ذات ما نادى به د. عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، بإشارته بأنّ: “محاولة استعادة المكانة السياسية بدون استعادة العدة الأخلاقية عمل لا معنى له”.

وأضاف الأفندي، في مقالةٍ له بموقع العربي الجديد، بعنوان “السودان.. عودة الإسلاميين وضياع الوطن؟”، بأنّه لابد للإسلاميين “أن يبتعدوا من الحكم نهائيا، ويمنحوا فرصة للحكومة الجديدة لأداء مهامها، ويعكفوا على مراجعاتٍ عميقة لأخطاء الماضي. وبدل انتظار محاكمة الدولة، ينبغي أن يعقدوا محاكماتٍ تكشف أين وقع الخطأ، ومن المسؤول، وكيف يُعاقب”.

صحيح أنّ هناك العديد من المجموعات الفكرية، بين عضوية الإسلاميين السودانيين، الذين ينظروا بإعجاب لتجربة راشد الغنوشي، وحزب النهضة في تونس. وهي تجربة نقلت الإسلاميين إلى مربع الديمقراطية وقبول الآخر وغيرها من المفاهيم الحديثة.

لكن للهادي محمد الأمين رأي مخالف، حيث يقول: “إسلاميو السودان كانوا سبّاقين لتجربة راشد الغنّوشي في حزب النهضة، حيث تحوّلوا بعد ثورة أبريل، وحكم الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969-1985)، من حزب صغير، أقرب إلى الجماعات السلفية، إلى ما عُرف بالجبهة الإسلامية القومية التي نادتْ بأفكار متقدمة في وقتها”.

ويعتقد راشد عبد القادر بأنّ الثورة لم تقم ضد الإسلاميين، وإنّما ضد نظام فاسد، وهو ما يفتح الباب مستقبلاُ بعد مراجعات الإسلاميين، أنْ يكون لهم مستقبل.

لابد للإسلاميين «أن يبتعدوا من الحكم نهائيا.»

— د. عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا

يضيف عبد القادر أنّه إذا حدثتْ مراجعات لبرنامج الإسلاميين السياسي، وتمت إعادة ترميه، فهو سيكون مقنعا مما سيجعل من الإسلاميين كتلة سياسية كبيرة. لهذا لن يكون من مصلحة التنظيمات السياسية الأخرى مواجهة هذه القوة السياسية، ضمن انتقال ديمقراطي يضمن حق الاقتراع لأي جبهة سياسية مقنعة.

وتوقع عبد القادر أن يدخل الإسلاميون الانتخابات التي تعقب الفترة الانتقالية عبر كُتل المستقلين، أو عبر الإدارات الأهلية، باعتبار أن البنية الاجتماعية في السودان لم تتغيّر بعد.

وإنْ تباينتْ الآراء حول مستقبل الإسلاميين، إلا أنّ الاتفاق على صعوبة العودة يبقى هو الأبرز.