سوق الكلاكلة جنوب الخرطوم، السودان.
(cc) موقع الأضواء | آدم محمد أحمد | 12 نوفمبر، 2019

الأزمة المعيشية التي يعاني منها السودانيون كانت أحد أسباب الثورة السودانية. الأزمة ما زالت موجودة بعد سقوط النظام، لأنها عاقبة إدارة اقتصادية سيئة دامت لسنوات. الخروج من الأزمة يتطلب وقتا وحلولا تتجاوز تعديلات عابرة.


في سوق الكلاكلة اللفة المكتظ، جنوب الخرطوم، تبدو آثار أشعة الشمس الحارقة على ملامح الحاجة الستينية آمنة مختار. أمامها طبق تبيع عبره ‘الفول السوداني’ و’حب التسالي’ و’الدكوة’ وبعض الأشياء الأخرى.

“يا ولدي النهار كله نجلس وفي النهاية نعود إلى المنزل ولم نستطيع تلبية حاجتنا للأكل والشراب”، تقول الحاجة آمنة.

عند سؤالها حول رأيها في الحكومة الجديدة بخصوص معاش الناس، تضيف آمنة باقتضاب وهي ترتب أكياس الفول: “الحال يا هو وزيادة معاناة كمان”.

الحكومة الانتقالية السودانية، بقيادة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك هي الأخرى تحس بمعاناة الناس، حسب أقوال وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، إبراهيم البدوي في السابع من نوفمبر الجاري: “إننا نحس بوجع الشعب السوداني وجئنا أساساً لخدمته.” تأتي كلمات الوزير بعد أن أقر “بوجود أزمة معيشية خانقة”، وأكد “السعي الجاد لإيجاد حلول لها في القريب العاجل”.

البلاد تحتاج إلى نحو 5 مليارات دولار دعمًا للميزانية لتفادي انهيار اقتصادي”.

— إبراهيم البدوي، وزير المالية السوداني

يبدو أن المحك الذي يواجه حكومة حمدوك هو الموازنة المالية العامة للعام 2020، وبصورة أخص ما يتعلق بمعاش الناس فيها. ورغم تأكيد وزارة المالية أن الموازنة خالية من أي ضرائب جديدة، إلا أنها في ذات الوقت أقرت، على لسان وزير المالية، في تصريحات نقلتها وكالة ‘رويترز‘ في الثامن من نوفمبر، أن “البلاد تحتاج إلى نحو 5 مليارات دولار دعمًا للميزانية لتفادي انهيار اقتصادي”.

وفي ظل هذا الواقع، يؤكد وزير المالية في نفس التصريحات إن “السودان تلقى بعض الدعم لواردات الوقود والقمح، لكن نحو 65 في المئة من شعبه، البالغ تعداده 44 مليونًا، يعاني من الفقر ويحتاج إلى تمويل تنموي بقيمة تصل إلى ملياري دولار، بجانب ملياري دولار من المأمول الحصول عليها من صناديق تنموية عربية”.

ورغم أن هذه المساعدات المأمول الحصول عليها قد تساعد اقتصاد السودان على الأمد القصير، إلا أن السؤال يخص الحلول العميقة التي يجب تطبيقها من طرف الحكومة من أجل الخروج من الأزمة.

تقول نازك شمام، صحفية متخصصة في الاقتصاد وتكتب في الصحف السودانية في حديثها لـ ‘موقع الأضواء’: “حتى الآن لم يصدر القطاع الاقتصادي أي قرارات من شأنها أن تساهم مساهمة فاعلة في خفض الأسعار، أو تفعيل أي مؤسسات من شأنها أن تعمل على خفض تكلفة المعيشة، في ظل محدودية الدخل للغالب الأعم وسط الشعب السوداني”.

دراسة تجمع المهنيين حول وضع الأجور في السودان أعدها التجمع بمعاونة عدد من الخبراء الاقتصاديين #نبقى_حزمه_كفانا_المهازل

Gepostet von ‎تجمع المهنيين السودانيين‎ am Sonntag, 11. November 2018

ورغم أن اتخاذ مثل هذه القرارات يتطلب وقتا، إلاّ أن هنالك مقترحات يمكن أن تساعد على تخفيف أعباء المعيشة عن كاهل المواطن السوداني بعد الثورة. من بين هذه الأفكار زيادة مرتبات موظفي الدولة والقطاع الخاص.

كشف اتحاد عمال السودان في السابع من نوفمبر الماضي، عن تقدمه بمقترح لوزارة المالية واللجنة العليا لإعداد موازنة 2020، لزيادة الأحد الأدنى للأجور إلى 8.778 جنيها بجانب إزالة المفارقات في الرواتب وإعفاء العاملين من ضريبة الدخل الشخصي. ويذكر أن الحد الأدنى للأجور في السودان هو 425 جنيهاً، ما يعادل 9 دولارات تقريباً.

وسبق مقترح اتحاد العمال دراسة أعدها تجمع المهنيين السودانيين العام الماضي، كشف فيها أن تكاليف المعيشة الشهرية لأسرة من خمسة أشخاص تبلغ 15 ألف و218 جنيها‪.‬ وأشارت الدراسة إلى “أن [هذا] المبلغ لتغطية الضروريات دون الكماليات والطوارئ مع التزامها الحدود الدنيا للكميات والأسعار”.

ولكن يشير بعض المختصين إلى أن قضية زيادة المرتبات ليست ذات جدوى في ظل تدهور في قيمة الاقتصاد الكلي‪.‬ يقول د. حسين القوني، رئيس اللجنة الاقتصادية بجمعية حماية المستهلك، إن “زيادة المرتبات سيكون لها آثار جانبية ضارة الا إذا حصلت زيادة للمجتمع كله”‪.‬

“سيحدث خلل في الاقتصاد وتكون لها نتائج عكسية” يفسر القوني، مضيفا أن “المسالة تحتاج إلى مجموعة أشياء مع بعض، لزيادة دخل المجتمع من بينها أن تقلل الحكومة من الرسوم التي تفرض على المواطنين من ضرائب دخل شخصي وجبايات ورسوم الصادر وتبحث عن دخول أخرى”.

هذا ما يؤكده الخبير والمتخصص في الاقتصاد حافظ إسماعيل، اقتصادي متخصص في التحليل المالي والسياسات النقدية ويشغل حاليا منصب مدير منظمة أفريقيا العدالة السودان، الذي يفسر أن “معاش الناس مسألة مرتبطة بسياسية الاقتصاد الكلي، وبالتالي لا تستطيع أي حكومة إحداث تغيير في الأوضاع، ما لم تتعامل مع التحديات في الوضع الكلي”.

البداية تكون، حسب أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم محمد الجاك، بـ “تدخل الدولة بصورة عاجلة لضبط الأشياء المرتبطة بالخبز والوقود وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية”، وذلك عبر إنشاء جمعيات تعاونية والاستفادة من الشباب في مراكز توزيع السلع الضرورية.

“صبرنا على الحكومة السابقة 30 عاماً […] ينبغي علينا ان نصبر على حكومة حمدوك بعض الشيء.”

— صالح يوسف، مواطن

من الواضح أن الخروج من الأزمة الاقتصادية سيتطلب وقتا وجهدا كبيرا. المشكلة حسب القوني هي أن “الحكومة الجديدة وعدت الناس بتحسين الوضع المعيشي، بمجرد أن تسقط الحكومة السابقة، ولذلك وضع المواطن في الحسبان، أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها”.

لكن بالنسبة للبعض، الصبر في هذه الحالة من الحكمة، وربما على تقييم الحكومة الجديدة أن ينتظر، فعمرها لم يتجاوز بعد الثلاثة أشهر.

“صبرنا على الحكومة السابقة 30 عاماً تحت معاناة اقتصادية، ينبغي علينا أن نصبر على حكومة حمدوك بعض الشيء،” يقول المواطن صالح يوسف.