الرئيس المخلوع عمر البشير، أثناء محاكمته.
(cc) موقع الأضواء | محمد نور الدين | نوفمبر، 2019

في أول مثول له أمام القضاء، في أغسطس الماضي، لقيتْ جلسات المحاكمات المنقولة على الهواء مباشرةً للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، اهتماماً متعاظماً. مستقبل هذه المحاكمات يتراوح بين عدم إدانة البشير في السودان وتسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية، حسب عدد من المهتمين تحدثوا مع ‘موقع الأضواء’.


في الوقت الذي تُطارده جرائم انتهاكاتٍ وصلت حد توقيفه من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية، تتم محاكمة للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في السودان بتهم حيازة النقد الأجنبي والفساد.

اعتبر زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، حسب قناة العربية، محاكمة الرئيس السوداني المخلوع، بالبداية الخاطئة، “لأنّ الاتهام تمّ بأقلّ التُهم التي ارتكبها البشير”. البشير ملاحقٌ لدى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة الإبادة الجماعية، وجرائم حربٍ أخرى ضد الإنسانية، وهكذا فعلى “النظام الحالي أنْ يكون ملتزماً بالقوانين الدولية، وبالمسائلة على كل الجرائم التي ارتكبها الرئيس المخلوع”، يفسر المهدي.

محاكمة البشير “موت اعتباري له”

الجلسة الثالثة لمحاكمة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير. © الجزيرة

رغم أن البعض قد يرى في المحاكمة التي تجري الآن للرئيس المخلوع على أنها لا ترقى لمستوى الجرائم الجسيمة التي ارتكبها، إلاّ أن الصادق حسن علي، الأمين العام لهيئة محامييّ دارفور، يرى أنها “أظهرته سمساراً رخيصاً، منعدم الكرامة، يخشى على سُمعة أميرٍ خليجي أعطاهُ مبلغاً من المال وحدّد له طريقة صرفه خارج نُظم الدولة القانونية والمالية، أكثر من خشيته على دولته وشعبه”.

يتفق القانوني حاتم إلياس، عضو تحالف المحاميين الديمقراطيين السودانيين، في حديثه لـ ‘موقع الأضواء’ مع الصادق حسن علي.

صورة الرئيس المخلوع البشير، وهو واقف بقفص الاتهام، بلحية وشارب غير مصبوغين هي “موت اعتباري له، ولنظامه، ولمؤيّديه، بل وإلقاء له خارج الاهتمام والذاكرة، وكأنه لم يكن شيئاً في يوم ما”، يقول إلياس.

هذا بالإضافة إلى أن هذه الصورة ليست إدانة للبشير فقط، بل “محاكمة لكامل نظامه الديكتاتوري الدموي”، حسب وصف إلياس.

التسليم للمحكمة الجنائية الدولية

فيما يخص مستقبل محكمات البشير وما ستؤول إليه، فيبدو أن هذه المحاكمات ليست إلا البداية. يقول إلياس: “الملفات في انتظار البشير يُمكن أنْ تملأ قاطرةً بكل سهولة”. ويستطرد: “لو أدانته المحكمة أو لم تُدنه، فإنّ هناك العديد من القضايا في انتظار البشير. قضايا تبدأ من الجريمة الأولى، وهي انقلابه مع آخرين على النظام الديمقراطي في العام 1989، مرورا بجرائم مثل التعذيب والاعتقال، والفساد المتهم فيه رموز نظامه، وإخوته ومؤيدوه، وليس انتهاءً بالانتهاكات في حق المدنيين في أقاليم النزاع في دارفور، النيل الأزرق وكردفان”.

[محاكمة البشير]”محاكمة لكامل نظامه الديكتاتوري الدموي”

— حاتم إلياس، قانوني وعضو تحالف المحاميين الديمقراطيين السودانيين

في حال تبرئة البشير في المحاكمات التي تجري الآن، فسيتم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، حسب إعلان قوى الحرية والتغيير – التحالف الذي قاد الاحتجاجات التي كانت نهايتها إسقاط البشير وإنهاء حُكمه الممتد لثلاثة عقود، على لسان إبراهيم الشيخ، أحد قيادات قوى الحرية والتغيير.

وكان المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، أصدر في يوليو 2008، مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني المخلوع، لاتهاماتٍ بارتكابه جرائم حربٍ في إقليم دار فور. وكانت هذه المرة الأولى التي تُوجّه المحكمة الاتهام لرئيس أثناء حكمه.

تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية سيتم عاجلا أم آجلا، حسب قول كل من إلياس وشمائل النور، الكاتبة الصحفية السودانية التي تؤكد أن “عدم تسليم المخلوع البشير إلى الجنائية سيضعُ الحكومة الانتقالية في مواجهة المجتمع الدولي، والنازحين، وضحايا النزاع في أقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق، الذين اعترف البشير نفسه بآلاف القتلى منهم”.

بالمقابل فسيمهد تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية الطريق أمام عملية السلام، حسب النور، لأنّ الحركات المسلحة، التي تتفاوض معها الحكومة الانتقالية الآن، ترى في هذه الخطوة دليلا على جديّة الحكومة في إحلال السلام، وهو البند الأول في أجندة الحكومة الانتقالية، وتمّ تخصيص الشهور الستّة له، بحسب ما نصّت الوثيقة الدستورية التي وقّعها كل من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

تسليم البشير من عدمه للمحكمة الجنائية الدولية هو “قرار سيخضع لنقاش بين الجهات القانونية والسيادية”

— محمد الفكي سُليمان، عضو مجلس السيادة السوداني

بالإضافة إلى كل ما سبق، في حال رفضت الحكومة الحالية تسليم البشير ورغبت في الاستمرار في محاكمته داخلياً، فعليها “أنْ تتقدّم بطلب مدعوم بأسانيد تؤكد أنّ القضاء السوداني قادر ومؤهل لمحاكمته، والراجح ألا تقبل المحكمة الجنائية بذلك”، يفسر إلياس.

السبب وراء ترجيح إلياس لعدم قبول المحكمة الجنائية هو أن “الجرائم المطلوب بشأنها البشير لم تُقيّد بلاغاتها في السودان، بل ليس هناك مواد في القانون السوداني تحت مسمى ‘الإبادة الجماعية’. القانون [السوداني] نصه واضح في في ذلك: ليس هناك جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني”، يضيف القانوني.

هنالك دعوات وسط المجتمع الحقوقي السوداني لتأهيل النظام القضائي حتى يكون قادرا على محاكمة البشير. لكن، مع كل ما يواجه الحكومة الاتنقالية من تحديات، هذا التأهيل سيأخذ حتما وقتا طويلا. مع انتظار الشعب السوداني للعدل بخصوص الاتهامات الموجهة للرئيس السابق للعديد من السنوات، فمن الأرجح ألاّ يوافق الشارع على سيناريو الانتظار اللامحدود، خصوصا مع وجود إمكانية محاكمة البشير في الخارج في أجل محدد.

تسليم البشير من عدمه للمحكمة الجنائية الدولية هو “قرار سيخضع لنقاش بين الجهات القانونية والسيادية، وما ستخرج به هذه المؤسسات سيُنفّذ أيّاً كان”، حسب عضو مجلس السيادة السوداني والمتحدّث بإسمه، محمد الفكي سُليمان، في حديثه لـ’موقع الأضواء’.

من الممكن أن يتم اتخاذ هذا القرار قريبا، فلقد حددت محكمة في الخرطوم يوم 14 ديسمبر 2019 كموعد للنطق بالحكم في قضية الرئيس المخلوع، المتهم بحيازة النقد الأجنبي والفساد.