مدرسة الصديقة بنت الصديق في الخرطوم، السودان. على حائط المدرسة عبارتان: “تسقط بس” و”سلمية”. (cc) موقع الأضواء | آدم محمد أحمد | 5 نوفمبر، 2019

برزت قضية التعليم بكافة مستوياته كواحدة من الأهداف التي ينتظر أن تحدث فيها حكومة الثورة والحكومات اللاحقة تحولا وتحسن.

وجد التعليم في عهد النظام السابق الكثير من الانتقادات لأن مستواه انحسر إلى درجة كبيرة، سواء كان من حيث البنية التحتية أو في جودة التعليم نفسه.

بعد أن نجحت الثورة في إزاحة النظام الذي حكم البلاد ثلاثين عاما، يعقد المواطن السوداني الآمال على عاتق الحكومة الانتقالية في أن تجد معالجة تلبي الطموحات وتنقل الأجيال إلى مصاف الدول المتقدمة.

يقول الأستاذ والتربوي إسماعيل تيراب لموقع الأضواء إن “هناك حوالي ثلاثة مليون طفل خارج المدرسة، لا يجدون فرصة للتعليم وبالتالي على الحكومة أن تحاول توفير الحد الأدنى لكل التلاميذ” .

محمد الأمين التوم يتحدث حول كون التعليم من أوليات الحكومة، 9 سبتمبر، 2019، في برنامج ‘السودان هذا المساء’ على قناة الشروق.

وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل تعيينه إنه يسعى إلى مجانية التعليم والصحة كخدمات واجبة على الدولة تقديمها للمواطن.

وكخطوة عملية أعلن محمد الأمين التوم، وزير التربية والتعليم السوداني في مؤتمر صحفي عقد يوم 28 أكتوبر الماضي، على “أن العام المقبل (2020) سيتم قبول تلاميذ الصف الأول أساس مجاناً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لتعليم منصف وجيد وشامل وتوفير مقعد لكل طفل بلغ السادسة”.

وأضاف التوم أن استراتيجية الحكومة تقضي بتطبيق المجانية الكاملة للتعليم بحلول العام 2030.

وإن كانت قرارات الوزير بشأن مجانية التعليم تبدو إيجابية لكن هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات أبرزها: هل الأولوية الآن لمجانية التعليم أم لإصلاح بيئة التعليم وبنيته التحتية؟ وكيف ينظر المختصون لهذه القضية وما هو رأي المواطن حولها لكونه المعني المباشر؟

وفقا لرأي البعض، فإن هناك قضايا في التعليم تعتبر أهم من المجانية في الوقت الراهن. هذا ما أكده المواطن محمود عثمان وهو أب لثلاث أبناء في مراحل مختلفة بقوله: “إذا أصبحت المدارس الحكومية كلها مجانية، فلن أرسل أبنائي إليها لأنها غير مهيأة لتخريج جيل يستطيع أن يواكب المستقبل.”

“إذا أصبحت المدارس الحكومية كلها مجانية، فلن أرسل أبنائي إليها لأنها غير مهيأة”

— محمود عثمان، أب لثلاث أبناء

وأضاف محمود قائلا: “مع إني مضطر إلى دفع رسوم باهظة في المدارس الخاصة وفوق طاقتي المالية ولكني على أقل تقدير مطمئن بأن ابنائي يتلقون تعليما جيدا لأن تعليم الأطفال هو الاستثمار في المستقبل.”

يشير تربويون وأساتذة إلى أن أي قرارات بشأن مجانية التعليم دون النظر إلى المتطلبات الأخرى قرار يأخذ طابعا سياسيا أكثر من كونه قرار يرجى منه معالجة مشكلات موجودة.

يفسر تيراب لموقع الأضواء أن “قرار الوزير كلام للاستهلاك السياسي لاستدرار عطف الناس في واقع الثورة لكنه ليس عملي أو منطقي” لأن الحكومة ليست لديها القدرة المالية للصرف على التعليم في ظل وجود مشكلات تحتاج إلى أموال عاجلة وتتعلق بمعاش الناس.

ويتفق الأستاذ والمختص التربوي عوض الدنقلاوي مع تيراب ويفسر أن الكارثة هي أن المعلم غير مؤهل لأن كليات التربية تقبل مترشحين نجحوا بنسبة 55 في المئة، وبالتالي لا يمكن أن تخرج أساتذة مؤهلين وكفاءات.

“بعض الأساتذة الذين يلتحقون بالمدارس من الخريجين الجدد لا يستطيعون كتابة سيرتهم الذاتية باللغة الانجليزية بصورة صحيحة،” يقول الدنقلاوي. لهذا فبالنسبة لعوض الدنقلاوي فإن “أول خطوة ينبغي أن تكون هي رفع نسب القبول في كليات التربية”، بالإضافة إلى ضرورة تغيير مناهج التعليم التي الآن ليس فيها أي إبداع، حيث أنها تعتمد على التلقين والحفظ فقط.

“بعض الأساتذة […] لا يستطيعون كتابة سيرتهم الذاتية باللغة الانجليزية بصورة صحيحة”

— عوض الدنقلاوي، أستاذ ومختص تربوي

مجانية التعليم هي أصلا عبارة خاطئة، كما يفسر الأستاذ منتصر الفادني، عضو لجنة المعلمين التابعة لتجمع المهنيين، الذي يبدي تحفظا على لفظ ‘مجاني’ لأن هذه الخدمة مدفوعة القيمة ومستقطعة من دخل المواطن سلفا، ويقول: “إن التعليم الحكومي كله من أولى أساس إلى التخرج في الجامعة ينبغي أن يكون مجانا، لأن التعليم خدمة يدفع المواطن مقابلها الضريبة من دخله ومن أرباح أعماله.”

ويرى الفادني أن التعليم والصحة والبنى التحتية مثل الطرق بالإضافة إلى الأمن هذه خدمات يجب أن تقدم مجانا للمواطن، لكن تنفيذ قرار الوزير صعب، رغم أنه سليم.

يفسر الفادني أن الحكومات الولائية والاتحادية تتحايل على مثل هذه القرارات بمسمى ‘المساهمات’. “يجب وقف هذا التحايل وسن اللوائح التي تلزم المحليات بالتأكد من تمكين المواطن من نيل حقه في التعليم الجيد من دون دفع مقابل،” من خلال مثلا لجان متابعة وتأكد في كل المحليات.

ويرى الفادني إن إصلاح بيئة التعليم من واجب الدولة التي يجب أن تخصص الموازنة الكافية لذلك وأن “تجعل نصيب التعليم من الدخل القومي متناسبا مع عدد المستهدفين ونسبتهم التي تتجاوز ال 60 في المئة من إجمالي السودانيين. هذا ويجب أن تتناسب هذه الميزانية مع المنشآت الحكومية التي تمثل المؤسسات التعليمية أكثر من 50 في المئة منها، ومع عدد المعلمين الذين يشكلون 61 في المئة من جملة العاملين في الدولة”.

وكان وزير التعليم ذكر في قراره بأن مجانية التعليم يصاحبها إدخال المكتبة المدرسية بالمرحلة الثانوية في جميع الولايات وتدريب المعلمين في مادتي الرياضيات والإنجليزية.