كانت عُلا عصام (16) عاماً، تستعد لأداء امتحانات الشهادة السودانية للالتحاق بإحدى كليات الطب، إلا أن الحرب تسببت في نسف آمالها وآمال أسرتها التي آل بها الحال عالقة في إحدى المدن الولائية أمام مستقبل مجهول.

مثلها ومثل ملايين الطلاب في السودان تنتظر عُلا بفارغ الصبر انتهاء الحرب والعودة لمقاعد الدراسة من جديد، تقول والدتها التي تبلغ من العمر (45) عاماً، وهي أم لثلاثة أطفال: “لم يكن استمرار أبنائي في التعليم أمراً سهلاً، بل كان أمراً مكلفاً؛ كان علينا كأسرة التخلي عن الكثير من الاحتياجات الأساسية لتلبية المتطلبات الدراسية”، آملة أن تولي الدولة أهمية للتعليم في المستقبل.

أمل العودة

قبل الحرب، وبحسب وزارة التربية والتعليم السودانية، كان من المتوقع جلوس نحو 500 ألف طالب لأداء امتحانات الشهادة السودانية بحلول العاشر من حزيران يونيو 2023، مع توقعات بارتفاع عدد الطلاب الجالسين هذا العام مقارنة بالعام السابق.

ويأمل ملايين الطلاب السودانيين في العودة إلى مقاعد الدراسة عقب انتهاء الحرب، كما تأمل المجتمعات السودانية خصوصاً في الأرياف والمناطق الطرفية في أن ترسم الحكومة المستقبلية سياسات تعليمية جديدة تعالج مشكلات التعليم بصورة جذرية، الأمر الذي سيكون مدخلاً لنهضة مرجوة.

خلال تاريخه الحديث مرّ التعليم في السودان بعدة مراحل، ومع كل مرحلة بدا واضحاً تراجع جودة التعليم، ومع اندلاع الحرب في الخامس عشر من نيسان أبريل 2023، التي أثرت على التعليم بشكل بالغ فإن هناك طريقاً طويلاً يجب على السودانيين المضي فيه وصولاً لمستقبل مليء بالتقدم والازدهار يمر بتطوير وتأهيل التعليم في البلاد.

وعلى الرغم من عدم استقرار السودان سياسياً واقتصادياً لعصور طويلة، إلا أن الرغبة في التعلم كانت ولا تزال إحدى سمات السودانيين البارزة وهو ما يؤكده تاريخ تأسيس الخلاوي البعيد التي أنشئت لعدة أسباب من بينها تعلم أصول القراءة والكتابة.

ببطء ومنذ ذلك التاريخ تطورت العملية التعليمية في السودان لتشمل قطاعات أوسع من الطلاب مع الاحتفاظ برؤية الاستعمار القديم من حيث مركزية ونخبوية العملية التعليمية.

مشكلات جوهرية

يواجه التعليم في السودان مشكلات عصية على الحل ضاعفتها الحرب التي اندلعت مؤخراً، ويقول سامي الباقر، المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين: “أن قطاع التعليم في السودان ظل يعاني من مشكلات جوهرية، بسبب الإهمال المتعمد من قبل الحكومات والأنظمة المتعاقبة مما عرضه لمشكلات هيكلية من بينها عوامل الإتاحة والجودة والعدال”.

وفيما يتعلق بالإتاحة، وفقاً للباقر، فإن التعليم لا يتوفر لعدد كبير من الأطفال في سن الدراسة، وبحسب اليونيسف فلا يزال حوالي 7 ملايين طفل في السودان غير ملتحقين بالمدارس، ومن المتوقع زيادة هذا العدد بسبب الحرب، ما لم يتم تدارك ذلك وفق رؤية مستقبلية كلية تعالج مشكلات العملية التعليمية في السودان.

بالإضافة لمشكلات التعليم قبل بدء الحرب، فإن استمرار النزاع المسلح في السودان جعل نحو (19) مليون طفل خارج المدارس، حسب ما بين تقرير لليونيسف ومنظمة إنقاذ الطفل، فضلاً عن توقف الدراسة في كل المراحل التعليمية لبقية الطلاب في المراحل الدراسية الأخرى.

وبالحديث عن مركزية التعليم في السودان، ففي جانب العدالة فإن هناك تبايناً كبيراً بين المدارس الحضرية والريفية.

ووفقاً لذلك يقول الباقر: “إن الدولة ساهمت في وجود هذا التباين عندما ابتدعت نظام المدارس النموذجية التي عادةً ما يكون الانتماء إليها بناءً على المقدرات المالية العالية التي يجب أن تتمتع بها الأسر الراغبة في توفير تعليم جيد لأبنائها”.

ولا يمكن الحديث عن مستقبل التعليم في السودان إلا عن طريق إجراء إصلاحات جذرية، بدءاً من وجود نهضة اقتصادية، تنعكس على الأسر في المجتمعات الريفية قبل الحضرية؛ بالقدر الذي يدفعها لحث أبنائها من أجل الانخراط في الدراسة والاستمرار فيها، مع ضرورة انتباه الدولة لأهمية التعليم بتهيئة المدارس وإعداد المناهج التعليمية الجيدة المبنية على أسس علمية، والانتباه لأوضاع المعلمين والعاملين في حقل التعليم.

كما أن تدريب المعلمين أثناء الخدمة، خاصة معلمي المرحلة الابتدائية، يعتبر أمراً بالغ الأهمية لمستقبل التعليم في السودان.

بعيد المنال

يُنظر للجانب التعليمي في ظل الأزمة الآخذة في التفاقم بأنه جانبي للغاية، حيث يصطدم بتعدد الأولويات والاحتياجات للبلد الذي يدخل شهره العاشر من الصراع، وفي هذا يعتقد سامي الباقر إن جودة التعليم في السودان ظلت هدفاً بعيد المنال خاصة من حيث البيئة المدرسية التي تعاني من فقدان أبسط المقومات.

وعادة ما يدعو خبراء التعليم في السودان إلى ضرورة أن تتركز جهود الدولة في تحسين جودة التعليم والقضاءعلى التباينات العميقة في إمكانية الوصول للتعليم مع ضرورة الاستثمار في البنية التحتية.

الباقر لفت إلى انعدام الأساسيات في البيئة المدرسية مثل مياه الشرب وعدم توفر دورات المياه، وأكد على أن عدداً كبيراً من الطلاب خاصة في الأرياف والأماكن الطرفية يتلقون مقرراتهم الدراسية جلوساً على الأرض.

وينبه سامي الباقر الناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيين إلى أن نسبة كبيرة من المدارس ظلت دون أسوار في عدد من مدارس الولايات.

سبق وأوضحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي السودانية أنه منذ تفجر الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، طال التخريب كل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بولاية الخرطوم وعدداً من الولايات الأخرى.

ولا توجد رؤية تحدد الأهداف الكلية للتعليم في السودان، بسبب انعدام جودة محتوى المقررات الدراسية ومخرجاتها بحسب الباقر.

ويأمل الباقر في أن يضع الواقع الجديد الذي سيتشكل عقب انتهاء الحرب التعليم في مساره الصحيح وجعله أولوية بالنسبة للدولة.

ويحتم الواقع الجديد، وفقاً للباقر وجود مراجعة شاملة للعملية التعليمية لنقل التعليم من حالة البؤس التي ظل يعيشها إلى واقع أفضل يمكِنَه من أداء دوره في نهضة سودان ما بعد الحرب.

ــــــ ـــ

تم إنتاج هذه القصة من قبل الإعلام في التعاون والانتقال (MICT) وأكاديمية شمال أفريقيا للإعلام (NAMA)، بالتعاون مع مركز الأضواء للخدمات الإعلامية والصحافة، وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). الآراء الواردة في القصة لا تمثل آراء MICT أو NAMA أو الأضواء أو BMZ.