في تموز يوليو 2023 أطلق وزير الشؤون الدينية والأوقاف في الحكومة الانتقالية السابقة نصر الدين مفرح مبادرة دينيون من أجل السلام والتماسك الاجتماعي مع شخصيات دينية من المسلمين والمسيحيين، مبادرة جسدت أهمية التلاحم والتماسك في الوضع الذي تمر به البلاد جراء الحرب الدائرة فيها.

أنشطة متعددة ومتنوعة، للحد من خطاب الكراهية ونبذ العنف، والعمل على ضبط الخطاب الديني والدعم النفسي باستهداف دور إيواء النازحين في عدد من المدن السودانية.

في هذا الحوار الذي خصصه للأضواء، وأجرته إسراء داوود، يسلط الوزير نصر الدين الضوء على بداية إنشاء المبادرة، وما قدمته حتى الآن في سبيل إبقاء السودانيين على قيد الأمل، مسيحيين ومسلمين.

الأضواء: لماذا مبادرة دينيون من أجل السلام والتماسك الاجتماعي؟

نصر الدين: أفرزت هذه الحرب مساوئ كثيرة أهمها قضايا الفرز الاجتماعي، وقضايا العنصرية، والكراهية، وقضايا عدم التعايش السلمي بين المجموعات المتساكنة والمتصاهرة من سنين طويلة، كما أفرزت جشع بعض التجار، وبعض أصحاب العقارات، وفي الوقت نفسه كانت هناك الكثير من الإيجابيات كالتعاضد، والتراحم والتكافل بين المجموعات المستقرة في الأماكن الآمنة، والمجموعات النازحة من ويلات الحرب، سواء من ولايات دارفور، أو كردفان، أو ولاية الخرطوم. تابعنا حديث السياسيين، والإعلاميين، والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي عن آثار الحرب على المجتمع السوداني،  لكن كان صوت الدينيين منخفضاً؛ لذلك قمنا بالعمل على  مقترح لإعلاء صوت الدينيين، وأنشأنا مبادرة أسميناها “العامل المشترك بين الأديان”، وإطارها العام “دينيون من أجل السلام والتماسك الاجتماعي” بهدف الدعوة للسلام، والتعايش السلمي، ومكافحة خطاب الكراهية، والعنصرية القبلية، وترسيخ قيم التماسك الاجتماعي لتقليل آثار الحرب على وحدة المجتمع السوداني، وتمكين قيم الاعتدال والوسطية، ومحاربة التطرف، ونشر الفكر المستنير لتحصين المجتمع من الانزلاق في أتون الحرب. فهي مبادرة سلام ومحبة، وتصالح ووئام من أجل وضع جميع خلافاتنا جانبا لأجل السودان؛ ليعم الخير أرجاء الوطن.

مبادرة مزجت بين المسلمين والمسيحيين من أجل التعايش المجتمعي في البلاد

مبادرة دينيون من أجل السلام والتماسك الاجتماعي جوهرها إحياء السلام ونشر المحبة بين السودانيين

الأضواء: حدثنا عن المبادرة، الفكرة والشركاء والمجتمعات المستهدفة.

نصر الدين: انطلقت المبادرة في تموز يوليو 2023، والفكرة الرئيسية هي أن نجمع القادة الدينيين من المسيحيين والمسلمين بحيث يعمل الكل من مكان تواجده، وكبداية بدأنا بعدد ثلاثين شخصية فاعلة، ويتوزع الدعاة والقساوسة والعلماء في كل من مدينة الأبيض، وأم درمان، ودنقلا، وفي ولايات سنار، والجزيرة، والنيل الأبيض، والنيل الأزرق، حيث جمعنا من المسلمين بمختلف طوائفهم، ومن المسيحيين الأرثوذوكس والكاثوليك، ويعمل هؤلاء جميعاً في دور إيواء النازحين، والمساجد، والكنائس لتقديم الدعم النفسي، وضبط الخطاب الديني، ومحاصرة خطاب الكراهية، والقبلية، والإثنية، ودفع عجلة السلام لإنهاء الحرب.

الأضواء: هل تعتقد أن المبادرة سيكون لها أثر في هذا الوضع؟

نصر الدين: المجتمع السوداني مجتمع متدين، ومجتمع عشائري لحد كبير. هذه المبادرة مهمة لأجل أن يكون صوت الدينيين حاضراً، ولمكانتهم في قلوب كثير من الناس، بالإضافة لقدسية الخطاب المقدم ولأهميته؛ إذ يعتبرونهم في مجتمعاتهم قادة، وهناك عوامل مشتركة بين الأديان يمكننا أن نبني عليها وهي السلام، والتعايش، وقبول الآخر، إضافة إلى أدب الاختلاف، وإدارة التنوع، كذلك تجريم خطاب العنصرية والكراهية والفرز الاجتماعي الذي أصبح مؤخراً مصدر صراع بين المجموعات.

الأضواء: ما القضايا التي تناقشونها في التجمعات ودور العبادة؟

نصر الدين: نحن نبث رسالة أسبوعية تكون مسموعة أو مقروءة، أو تكون خطبة أو محاضرة في مسجد، أو صلاة  أو درس في كنيسة، أو خطاب في نادي أو دار إيواء حيث قمنا في الشهر الأول بعمل حملة في وسائل التواصل الاجتماعي، ونشرنا أربعة وعشرين بوستراً، وأحد عشر رسالة مصورة، واثنين وثلاثين رسالة مكتوبة، وعلى الأرض قمنا بعقد وتقديم ستة دروس بالكنائس، وعدد من الصلوات وثمانية وستين خطبة بالمساجد، وثمانية وأربعين درساً ومحاضرة في قرى وأماكن غير دور العبادة، ونتحدث في ذلك عن قضايا المجتمع مثل التفكك الأسري بسبب الطلاق. كما نحاول معالجة المشاكل التي تنشئ بين النازحين في دور الإيواء، وكذلك بين النازحين والمستضعفين من أهل القرى والمدن، واتخذنا من المولد النبوي في بعض المدن التي تم فيها الاحتفال به مناسبة للدعوة للقيم الأخلاقية الحميدة، والتعايش، والتراحم، والتعاون بين المجتمع المحلي والفارين من الحرب؛ إعلاءً للمشتركات الإنسانية ولضرورة الاتفاق على القضايا الكبرى وصولاً لوقف الحرب، واستعادة التحول الديمقراطي.

الأضواء: الآن ونحن على مشارف انتهاء العام هل ما تزال المبادرة مستمرة؟ وما مستقبلها؟

نصر الدين: كما أسلفت كانت البداية لهذه المبادرة في شهر يوليو، وحتى شهر أكتوبر تطورت كثيراً، وأصبح القساوسة والعلماء والدعاة يتحركون ويلتقون خارج مناطقهم، ويتدارسون الوضع وينفذون دروساً مع بعضهم البعض بالأخص في ولاية النيل الأبيض وسنار، وعلى مستوانا كأعضاء فنحن في نقاش دائم حول المشتركات الدينية التي تجمعنا، ونبتكر الأدوات، ونعمل ونسعى لتحصين مجتمعنا من الانزلاق إلى المهالك التي تضرب النسيج الاجتماعي. قمنا بإنشاء صفحة في فيسبوك، ومنصة X تحت اسم “سلام ومحبة للسودان”، كما نقوم بالنشر في صفحات الأئمة والقساوسة، وصفحات إخبارية لتصل لأكبر عدد من السودانيين، كما لدينا فكرة أن نجمع كل ما كتب في هذه المبادرة وإصدارها في كتاب، وهدفنا المساهمة في استعادة المسار المدني والتحول الديمقراطي واستعادة الأمن والسلام.

تم إنتاج هذه القصة من قبل الإعلام في التعاون والانتقال (MICT) وأكاديمية شمال أفريقيا للإعلام (NAMA)، بالتعاون مع مركز الأضواء للخدمات الإعلامية والصحافة، وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). الآراء الواردة في القصة لا تمثل آراء MICT أو NAMA أو الأضواء أو BMZ.