مباراة فريقي ‘التحدي’ و’الدفاع’، أول مباراة في أول دوري للسيدات، استاد الخرطوم الدولي.
(cc) موقع الأضواء | هند رمضان | 30 سبتمبر، 2019

يعاني مجال كرة القدم في السودان من تركة ثقيلة للنظام السابق، كان أساسها الرشوة والتمكين وعدم الاحتراف. تحاول وزارة الثورة تغيير ذلك.

تدين غالبية الدول الأفريقية التي تقدمت في كرة القدم ووصلت إلى العالمية بالفضل للسودان الذي كان من الأوائل في القارة السمراء الذين اهتموا باللعبة، فضلاً عن المساهمة في تأسيس الاتحاد الأفريقي ‘كاف’، بالإضافة إلى تنظيم أول بطولة للأمم سنة 1957 في الخرطوم.

ولكن، كرة القدم في السودان شهدت، وعلى مدى فترة حكم نظام البشير – 30 سنة -، تراجعا مريعا وفشلت كل الأندية بلا استثناء في التتويج بالبطولات الخارجية، كما فشل المنتخب الوطني الأول في التأهل لنهائيات لكأس العالم. بقية المنتخبات – الناشئين، الشباب والأولمبي – لم تكن أفضل حالاً من المنتخب الأول ولم تفلح في تحقيق إنجاز لافت.

إنجازات ضعيفة

كل إنجازات كرة القدم خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها الرئيس المخلوع عمر البشير السودان كانت ممثلة في تتويج ‘المريخ’ بلقب كأس الكؤوس الأفريقية – مانديلا – في ديسمبر 1989، أي بعد خمسة أشهر من وصول ثورة الإنقاذ للحكم. أفلح ‘المريخ’ كذلك في التتويج بلقب كأس شرق ووسط أفريقيا ‘سيكافا’ في العام 2014 وهي بطولة ضعيفة في القارة.

في سنة 1992، تأهل ‘الهلال’ لنهائي دوري أبطال أفريقيا قبل أن يخسر اللقب أمام الرجاء البيضاوي المغربي.

على مستوى المنتخبات تأهل المنتخب السوداني الأول لنهائيات أمم أفريقيا في العام 2008 لأول مرة بعد 30 عاما، ووصل لذات المرحلة في العام 2012، وفشل بعدها في التواجد بنهائيات الكان حتى لحظة سقوط البشير.

أسباب الفشل: عدم الاحتراف

تسببت سياسة نظام البشير وتعامل الحكومة السابقة بطريقة غير احترافية مع الرياضة عامة، وكرة القدم على وجه الدقة، في ضعف البنية التحتية وعدم توفير الأموال اللازمة لتشييد الملاعب والصالات، علاوة على الإحجام عن الدعم المالي للاتحادات والأندية، في زمن أصبحت فيه كرة القدم تعتمد على المال من أجل التطور.

«نحن بلد عريق في الرياضة وخاصة كرة القدم، إلا أن إنجازاتنا ليست مشرفة.»

— علاء الدين أكو، مدرب

“نحن بلد عريق في الرياضة وخاصة كرة القدم، إلا أن إنجازاتنا ليست مشرفة بالمقارنة مع دول أخرى”، يقول المدرب علاء الدين أكو. عبر الاعتماد على التخطيط السليم وتوفير ميزانيات ضخمة فضلاً عن تولي الإشراف على الرياضة من قبل مختصين، كلها مكنت عددا من الدول من تحسين مستوى كرة القدم في سنوات قليلة.

يستدل المدرب القومي الفاتح النقر على ذلك بتجربة كوت ديفوار، غانا والسنغال والتي حملت منتخبات بلادها فيما بعد إلى آفاق أرحب في فضاءات الكرة العالمية، وطورت أداء اللاعبين لتقدم عدداً منهم لكبريات الدوريات في أوروبا.

“كرة القدم في السودان لا تقوم على التمرحل السليم نظراً لغياب الرؤية والتخطيط السليم من قبل القائمين على أمر الإدارات”، يفسر المدرب القومي الفاتح النقر، مشيرا إلى أن المدارس السنية هي التي تولت النهوض بكرة القدم في العالم أجمع.

«النظام البائد قام […] بتأسيس مجموعات […] تحكمت في مصير الرياضة بالسودان.»

— علاء الدين أكو، مدرب

يتفق أكو مع النقر مضيفا أن “النظام البائد قام وعبر حزب المؤتمر الوطني بتأسيس مجموعات ولجان تحت مسمى ‘أمانة الشباب والرياضة’، التي تدخلت بشكل سافر في الرياضة عبر الأندية والاتحادات وتحكمت في مصير الرياضة بالسودان.”

للفساد الرياضي وجوه كثيرة

الفساد الذي عم البلاد دخل مضمار الرياضة بقوة وساهم في تدهور مستوى كرة القدم، ويعود اهتمام النظام البائد بالقطاع الرياضي لاحتواء هذا القطاع علي نسبة كبيرة من الشباب. كان هدف النظام البائد استخدام هذه الطاقات الشبابية في خطط للاستفادة منها في برامج سياسية وفي سياسات التمكين لعناصرها والسيطرة علي المجال الرياضي.

الفساد الرياضي في العهد البائد تمثل في التدخل السياسي في شؤون اتحاد كرة القدم، عبر تنصيب أشخاص لا يمتلكون أي خبرة سوى الولاء للنظام وحزب المؤتمر الوطني. ومن أبرز هذه الأحداث أزمة الاتحاد السوداني في العام 2017، إذ تم تجميده من قبل ‘الفيفا’ نتيجة للتدخل السياسي في الانتخابات.

يقول الإداري والمدرب عز الدين أحمد دفع الله أن النظام السابق تدخل في كافة المجالات الرياضية، خاصة كرة القدم. “تم تسكين أصحاب الولاء في الوظائف بالاتحادات والأندية الأمر الذي أدى إلى تدهور كرة القدم وجميع المناشط الرياضية.”

أول تدخل صريح من السلطة كان في العام 2010 عندما قام وزير الشباب والرياضة الأسبق حاج ماجد سوار بمنع الدكتور كمال شداد من الترشح في الانتخابات.

وقادت هذه التدخلات حينها إلى خلافات داخل حزب المؤتمر الوطني بين عضو مجلس الشورى، كمال شداد، ووزير الشباب والرياضة، حاج ماجد سوار إلى منع شداد من الترشح في انتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم في العام 2010. ونجح الوزير في إقناع تلاميذه في الانقلاب ضده كمال شداد. هكذا ترشحت وفازت ‘مجموعة التطوير’، المكونة من مثلا الدكتور معتصم جعفر وأسامة عطا المنان ومجدي شمس الدين٠

لزم الدكتور كمال شداد الصمت ورفض تقديم شكوى لدي الاتحاد الدولي لكرة القدم ‘فيفا’ للطعن في الانتخابات، باعتبار وجود تدخل سياسي صريح. وكان شداد يرى أن تلك الخطوة ستقود لتجميد نشاط السودان الكروي. قامت لجنة الانتخابات بتقديم تقرير اعتمدت بموجبه نتيجة فوز ‘مجموعة التطوير’، وتضمن انسحاب شداد بهدف إفساح المجال للشباب٠

«للأسف الشديد لم يكن النظام السابق مدركاً لأهمية تطوير الرياضة.»

— جمال حسن سعيد، رئيس نادي ‘الأمل عطبرة’

التدخلات السياسية أفسدت الرياضة كذلك فيما يتعلق بالجانب الإداري وتشكيل الاتحادات والقوانين التي تحكم اللعبة، كما يفسر مولانا جمال حسن سعيد رئيس نادي ‘الأمل عطبرة’. كان لذلك أثر سلبي في عدم تطور كرة القدم وبقية المناشط. “للأسف الشديد لم يكن النظام السابق مدركاً لأهمية تطوير الرياضة وكوادرها، دعك من البنية التحتية والتي هي في الأصل منهارة”، يفسر سعيد.

تمثل الفساد كذلك في دعم بعض الأندية تحديدا على حساب أخرى، كما يفسر دفع الله. مثلا، “تم تحويل اسم الخرطوم (3) إلى الخرطوم الوطني وتم دعمه بشكل مباشر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني”، يقول دفع الله.

تجلى الفساد الرياضي كذلك بوضوح في ملف مدينة السودان الرياضية. قال دفع الله إن النظام البائد أجهض هذا الحلم عبر توزيع أراضي المدينة على محسوبي حزب المؤتمر الوطني وتحولت بعضها إلى مساكن وأخرها تم بيعها. إضافة إلى ذلك، “ميزانية تشييد مرافق المدينة تم الاستيلاد عليها دون حساب أو رقابة”.

وأخيرا، كرة القدم السودانية تأثرت كذلك بـ”السياسة الخارجية للنظام السابق أثرت على العلاقات الرياضية مع الاتحادات خارج السودان، خاصة التي تم توقيع توأمة معاها لتبادل الخبرات والدعم”، حسب دفع الله.

«السياسة الخارجية للنظام السابق أثرت على العلاقات الرياضية مع الاتحادات خارج السودان.»

— عز الدين أحمد دفع الله، مدرب

إصلاحات ‘وزارة الثورة’

هذه الوجوه العديدة للفساد تركت عواقبها في المجال الرياضي السوداني. مهمة ‘وزارة الثورة‘، الاسم الذي أطلقته وزيرة الشباب والرياضة على وزارتها، هو القضاء على التمكين والرشوة في المجال الرياضي، وتأهيل كرة القدم، حتى يصبح السودان قادرا على التنافس إقليميا وعالميا.

فالتركيز على رياضة كرة القدم في السودان تحديداً أصبح متزايدا، بسبب اهتمام القطاع الشبابي السوداني بالرياضة، الأمر الذي جعل زاد من اهتمام وزارة الشباب والرياضة بهذا المجال لتوظيف قدرات الشباب السوداني لتواكب مرحلة التغيير التي طرأت على السودان بعد سقوط نظام حكومة البشير.

وعلى صعيد الإصلاحات في المجال الرياضي، أعلنت وزارة الشباب والرياضة عن خطة استراتيجية وطنية لإصلاحات في كل القطاعات الرياضية، من بينها ورش عمل وخطط لوضع الرياضة السودانية في الطريق الصحيح، حتى تكون بمثابة الخطوة الأولى للنهوض بهذا القطاع المهم.

هذا بجانب استصحاب رؤية الخبراء والمختصين من الخبرات والكفاءات السودانية الموجودة حول العالم وتضمين مقترحاتهم وأفكارهم في الاستراتيجية الوطنية لتطوير القطاع الرياضي في السودان.