ملصقة لصحف سودانية، 2012. (cc) النيلان

تقيد المؤسسات الإعلامية بمعلن واحد هو الحكومة يحد من استقلاليتها. كان هذا هو الحال في السودان على مدى الثلاثين سنة الماضية. فكيف يمكن للحكومة الانتقالية التعامل مع ملف اقتصاديات الصحافة السودانية؟

تحدث الرشيد سعيد وكيل أول وزارة الثقافة والإعلام في أكثر من منبر عن الإعلان الحكومي، ومحاولة توزيعه بعدالة بين الصحف، والذي حسب رأيه هي واحدة من أشكال دعم الصحف اقتصاديا.

في حوار له على صحيفة ‘الصيحة’ بتاريخ 11 فبراير 2020 قال الرشيد: “واحدة من وسائل دعم الصحافة هي الإعلان الحكومي الذي يمثل حوالي 70 في المئة [من مجموع الإعلانات على الصحف] على أن توزع بطريقة عادلة بين الصحف حتى لا تحظى بعض الصحف بالنصيب الأعلى في الإعلان.”

«واحدة من وسائل دعم الصحافة هي الإعلان الحكومي الذي يمثل حوالي 70 في المئة على أن توزع بطريقة عادلة.»

— الرشيد سعيد، وكيل أول وزارة الثقافة والإعلام

وأضاف الرشيد أنه “لابد أن نساهم مع الضعفاء، وهذا شكل من أشكال الدعم غير المباشر”.

مجال اقتصاديات الإعلام مجال مهم بالنسبة لوسائل الإعلام عالميا وفي السودان على الخصوص، بالنظر إلى أنه من المفروض أن تقوم الفترة الانتقالية بتهييء مبادئ الحكم الديمقراطي، والذي من قواعده الإعلام الحر، النزيه والمستقل.

أداة لتركيع الصحف

رحب أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة ‘الجريدة’ بقرار وزارة الإعلام بخصوص توزيع الإعلان، مفسرا أن “التوزيع العادل للإعلان مطلوب وهو ما افتقدته الصحف طوال فترة حكم النظام البائد، لأن الإعلان كان يستخدم كأداة لتركيع الصحف فالصحف غير الموالية كانت تحاصر إعلانياً والصحف الموالية يتم منحها الإعلان”.

من جانبه تخوف د. خالد التجاني خبير في اقتصاديات الإعلام من احتكار الحكومة للإعلان الحكومي، واصفا ذلك بغير المقبول، “لأنه يمكن أن تستخدمه الحكومة في معاقبة من يعارض أو يؤيد خطها”.

“بذلك تكون قد سارت الحكومة في نفس اتجاه النظام السابق التي كانت تمتلك شركة ‘أقمار’ – المحلولة لاحقا من قبل وزارة الإعلام بعد الثورة – والتي كانت تحتكر الإعلان الحكومي”، يفسر التجاني.

«ليست هناك ضمانات في مسألة العدالة في التوزيع، وأفتكر دي ما مسؤولية الحكومة.»

— خالد التجاني، خبير في اقتصاديات الإعلام

“من المؤسف أن تفكر حكومة الثورة بنفس النهج القديم وليست هناك ضمانات في مسألة العدالة في التوزيع، وأفتكر دي ما مسؤولية الحكومة. يجب على الحكومة تغيير السلوك والممارسات القديمة وأن لا تورط نفسها وأن لا تلجأ لمثل هذه الحلول”، يشدد التجاني.

وطرح التجاني خلال حديثه بعض الحلول، مفسرا أنه في حال تمت عملية توزيع الإعلان فيجب تنظيمها عن طريق التشاور مع الصحف بطريقة شفافة وواضحة، وباستشارة مجلس الصحافة والمطبوعات في ماهية الطريقة التي يمكن أن تدار بها هذه العملية، وبذلك تضمن الصحف أن لا تستخدم لأغراض أخرى. “النية الحسنة وحدها لا تكفي يجب أن يكون هناك إطار قانوني ينظم العملية لتكون بصورة مؤسسية.”

المعلن لا يريد الخسارة

وأيد التجاني الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة المغتربين في الخرطوم د. محمد الناير قائلا أنه “يجب على الحكومة تحقيق شعار الثورة [حرية – سلام – وعدالة] وأن لا تطبق نفس سياسات النظام السابق، التي كانت تحتكر الإعلان”.

«من حق المعلنين “التعامل مع الصحف الأكثر انتشارا.»

— محمد الناير، أستاذ الاقتصاد في جامعة المغتربين في الخرطوم

وأعرب الناير عن أمله في توزيع الإعلان بحرية حسب الانتشار وليس على أساس الترضية. “آن الأوان للسودان أن ينتقل لوضع متطور أكثر ويراعي مبادئ الشفافية والعدالة ويجب أن لا تحرم أي مؤسسة من الإعلانات لأنها تنتقد الحكومة، كما بالمقابل يجب للإعلام ان يلتزم الحياد ويقول الحق.”

في نفس الوقت، ينبه الناير إلى أنه من حق المعلنين “التعامل مع الصحف الأكثر انتشارا فالمعلن لا يريد أن يخسر ويجب على الناشرين أن لا ينزعجوا من هذا الأمر”.

العدالة في الرسالة من أجل تحقيق المهنية

“معايير عدالة التوزيع تكمن في الرسالة نفسها”، يقول عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة ‘التيار’.

“أنت تريد أن يصل الإعلان لمتلقين، إذا تبقى الصحيفة التي لديها القدرة في الوصول إلى أكبر عدد من المتلقين ولها تأثير هي التي تفوز”، يفسر ميرغني.

المهم هنا هو أن الإعلان يجب أن يوجه لفئة خاصة يستهدفها المعلن. “هنالك بعض الصحف الاجتماعية واسعة الانتشار لكنها ليست مؤثرة على الشرائح المستهدفة. الشركات الكبيرة وشركات السيارات لا تعلن في كل الجرائد لأنها تعرف أي من الصحف يمكن لها أن تؤثر في الشريحة التي تستهدفها”.

هذا ما يفسره الفاتح وديدي مدير تحرير صحيفة ‘الحداثة’، قائلا أن المؤسسات والشركات الخاصة من المفترض أن تعمل وفقا لمعايير السوق، ويجب أن تكون لها جمهور مستهدف. “لن تتوجه شركة سيارات مثلا بإعلاناتها لجريدة مساحة انتشارها لها علاقة بالعمال”، لأن شركة السيارات لا تستهدف العمال مثلا.

«من المؤسف أن شركات الإعلان لا تملك بحوث ودراسات لتكون هي الهادي للمعلن.»

— الفاتح وديدي، مدير تحرير صحيفة ‘الحداثة’

“نحن شغالين بالمجاملة. من المؤسف أن شركات الإعلان لا تملك بحوث ودراسات بالمساحات السكانية لتكون هي الهادي للمعلن وليس مجرد جسر أو شركات مناولة”، يقول وديدي.

هنالك عدد من الطرق الأخرى يمكن للحكومة مساعدة الصحافة عبرها. ناشد وديدي الحكومة بالمساعدة في تخفيف الأعباء عن عاتق الصحف قائلا: “يجب أن تمتد يد المعونة للصحف حول المسائل المتعلقة بالرسوم الجمركية والضرائب والتي تخنق الصحافة. في العهد الجديد نريد أن تزال كل العوائق.”

وبالنسبة لميرغني، المصداقية والحيادية ليست لها علاقة بالترهيب والترغيب. إذا لم تتصف الصحف بالمصداقية فحتى فستظل المصداقية معروضة للبيع لمن يدفع أكثر.

“في النهاية هناك التزام شخص أو جهة أو صحيفة نحو نفسها وشعبها وقرائها بخدمة بها مصداقية. سواء حُوْرِبت أو لا، لن تتأثر. أما الصحف التي تربط مصداقيتها بمدى التعامل معها هي ستظل حتى وان أغدقتها الحكومة بالإعلانات إذا جاء من يدفع أكثر مستعدة أن تبيع ذمتها للذي يدفع”.