شباب سودانيون عائدون من ليبيا في مطار الخرطوم. (cc) موقع الأضواء | محمد الأمين | 30 يناير، 2020


أثارت اتهامات موجهة لشركة بلاك شيلد الإماراتية بخداع شباب سودانيين ونقلهم للعمل في ليبيا أو اليمن قلق المجتمع السوداني. أولئك الذين قرروا عدم الذهاب بعد سماعهم لهذه الاتهامات ينتظرون حلا لاسترجاع وثائقهم وأموالهم التي دفعوها لوكالة أسفار محلية عملت كوسيط بين بلاك شيلد والشباب السودانيين.


أمام وكالة ‘أماندا’ للسفر والسياحة’ يقف العشرات من الشباب الذين بدأوا إجراءات سفرهم إلى الإمارات. الوكالة أغلقت أبوابها، ومديرها والعاملون فيها أغلقوا هواتفهم.

مهند أحمد هو أحد الشباب الذين دفعوا رسوم التسجيل وإجراءات الفحص الطبي للوكالة قبل أن يفقدها بعد وقفه لإجراءات السفر. قرر أحمد عدم السفر إلى الإمارات بعد أن سمع أن شركة ‘بلاك شيلد’ الإماراتية تقوم بإرسال الشباب إلى معسكرات تدريب عسكري ومنها إلى ليبيا واليمن.

«فقدنا أموالنا وجوازات سفرنا وغيرها من الأوراق.»

— مهند أحمد

“فقدنا أموالنا وجوازات سفرنا وغيرها من الأوراق، ونحن الآن نقف أمام الوكالة لأيام ولا نجد من يتحدث إلينا عن مصير أموالنا و وثائقنا”، يقول أحمد.

يكشف عبد الرحمن الزاكي، العائد من الإمارات في حديثه لـ ‘موقع الأضواء’ عن ضياع أمواله التي دفعها لوكالة ‘أماندا’.

“وقعت على العقد المرسل من قبل شركة بلاك شيلد عن طريق وكالة ‘أماندا للسفر والسياحة’ في الخرطوم. تم بالفعل تسجيل العقد عن طريق مكتب العمل السوداني، وكل شيء كان يبدو بشكل جيد قبل أن نصل إلى الإمارات. بدأت الأمور في التعقيد وعدم الوفاء بما تم الاتفاق عليه وهو أننا يجب أن نعمل كرجال أمن تابعين لبلاك شيلد داخل دولة الإمارات فقط وليس خارجها”.

“وقعت على العقد المرسل من قبل شركة بلاك شيلد عن طريق وكالة ‘أماندا للسفر والسياحة’ في الخرطوم.»

— عبد الرحمن الزاكي

شباب سودانيون أمام باب وكالة ‘ أماندا للسفر والسياحة’ المغلق.
(cc) موقع الأضواء | محمد الأمين | 31 يناير، 2020

ما الذي حدث؟

ضمن مجموعة عائدة من دولة الإمارات يوم الثلاثاء 28 يناير، كان الكباشي أحمد، ذو الأربعين سنة وابن إحدى قرى الجزيرة في السودان. سافر أحمد إلى دولة الإمارات يحمل حلما بتكوين ثروة صغيرة من خلال العمل في إحدى الشركات الأمنية هناك تدعى ‘بلاك شيلد’. 

دفع من أجل هذا الحلم 80 ألف جنيه، هي محمل ما يملكه هو وأسرته التي راهنت أيضا على سفره إلى الإمارات. ‘وكالة أماندا للسفر والسياحة’ التي تعاقد معها (بالنيابة عن الشركة الإماراتية) وعدته براتب مقداره 8.000 درهم إماراتي أي ما يا يزيد عن 200 ألف جنيه سوداني.

«تمت قيادتنا من مطار الشارقة مباشرة إلى مدينة زايد العسكرية.»

— الكباشي أحمد، أحد العائدين

يقول أحمد أنه “تمت قيادتنا من مطار الشارقة مباشرة إلى مدينة زايد العسكرية، بعد أن تسلم مندوب شركة بلاك شيلد الذي كان في استقبالنا في المطار جوازات سفرهم بل وهواتفنا النقالة”.

بعد ذلك قامت القوات الإماراتية قامت بترحيلهم إلى معسكرات التدريب دون أن تشرح لهم طبيعة وأماكن العمل وأسباب دفعهم إلى التدريب العسكري، لا سيما في ظل وجود تدريبات على أسلحة ثقيلة وتدريبات عسكرية متقدمة توحي بأن العمل لا يرتبط فقط بالحراسات الأمنية، يضيف أحمد.

“ضباط إماراتيين (يتبعون لشركة بلاك شيلد الإماراتية) أشرفوا على تدريبي مع مجموعة من السودانيين لفترة أسبوعين قضيناها في المعسكر”. 

— أزهري علي يوسف، أحد العائدين

يقول أزهري علي يوسف، البالغ من العمر 25 عاما، إنه كذلك تعامل وكالة ‘أماندا للسفر والسياحة’، التي دفع لها مبلغ 120 ألف جنيه. يقول يوسف إن “ضباط إماراتيين (يتبعون لشركة بلاك شيلد الإماراتية) أشرفوا على تدريبي مع مجموعة من السودانيين لفترة أسبوعين قضيناها في المعسكر”. 

بدأت المجموعة في الاعتراض عن عدم تزويدهم بالمعلومات الكافية عن العمل وطبيعته ومكانه، لا سيما بعد أن سمع بعضهم بأن مئات السودانيون تم ترحيلهم للعمل في حقول النفط الليبية.

“أخذوا مننا الهواتف النقالة وحرمونا من التواصل مع العالم، لكن بعد أن تمكنا من الحصول علي الهواتف عقب أن قمنا بالاحتجاج، اكتشفنا أننا أمام عملية خداع كبرى وأن جزء من الدفعات التي سبقتنا تم ترحيلهم للعمل في حراسة المنشآت الحيوية في ليبيا”، يقول محمد الجزولي، هو كذلك من العائدين.

«أخذوا مننا الهواتف النقالة وحرمونا من التواصل مع العالم.»

— محمد الجزولي، أحد العائدين

“تمكنا من التواصل مع العالم الخارجي لمدة ساعتين فقط، لكننا خلالها تمكنا من التواصل مع زملائنا السابقين، وكذلك مع أسرنا وأصدقائنا وبدأت الحملة التي قادت في النهاية إلى ترحيلنا إلى بلادنا”، يضيف الجزولي.

أدت قضية نقل سودانيين للعمل في ليبيا واليمن إلى تظاهرات واسعة في الخرطوم أمام سفارة دولة الإمارات ووزارة الخارجية السودانية، التي أكدت بدورها وجود سودانيين يعملون في حماية حقول النفط في ليبيا

أيمن محمد هو أحد الشباب السودانيين العائدين من ليبيا. قال محمد إنه تم ترحيلهم إلى ليبيا وتحديدا إلى منطقة رأس لانوف النفطية، لحماية المنشآت البترولية في الميناء الواقع في شمال ليبيا والذي تسيطر عليه قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر الحليف الرئيسي لدولة الإمارات في الحرب الدائرة في الأراضي الليبية.

ويوضح محمد، في حديثه  لـ ‘موقع الأضواء’ أنه تلقى تدريبا استمر لعشرة أسابيع في معسكرات التدريب العسكري في الإمارات، مبينا انه تم تدريبه على بعض الأسلحة الثقيلة مثل المدافع والقنابل وغيرها.

“لم نقاتل بشكل مباشر إلى جانب قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر، لكن عملنا في حماية المنشآت النفطية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، [هذا] يؤكد أننا نعمل لصالح حفتر وكذلك دولة الإمارات التي تسانده” يقول محمد.

«من يرغب في العودة يجب أن يعود فورا ولا يجبر على البقاء تحت أي ظرف من الظروف.»

— فيصل محمد صالح، وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة الانتقالية السودانية

وقال الناطق باسم الحكومة الانتقالية وزير الإعلام فيصل محمد صالح للصحافة يوم 30 يناير إنه تم تكوين غرفة عمليات خلال الأيام الماضية ضمت ممثلين للجهات ذات الصلة بهذه القضية. كما أضاف صالح إن “هؤلاء الشباب ذهبوا لدولة الإمارات وهناك عرضت عليهم الشركة عقدين مختلفين، عقد كحراس أمن للعمل في الإمارات وآخر للعمل كحراس أمن في مناطق بترولية خارج الإمارات منها ليبيا. بعضهم قد وافق والبعض الآخر فضل العمل في الإمارات.”

لكن أيمن محمد العائد من ليبيا يتذكر نسخة مختلفة للأحداث: “الكارثة الأكبر أنه لم تتم استشارتنا في أمر السفر إلى ليبيا أو اليمن وخلافه، تذهب إلى معسكر التدريب ودون أن تعلم تجد نفسك في ليبيا أو غيرها”، مضيفا أن ذلك “يعد انتهاك صارخ لحقوقنا ترقى إلى درجة شبهة الاتجار بالبشر والتعامل معنا كمرتزقة في هذه الدول.”

وعن مصير السودانيين في ليبيا، قال وزير الإعلام أنه صعب التواصل معهم، مفسرا أن “التواصل يتم مع الشركة وغيرهم، على أساس أن من يرغب في العودة يجب أن يعود فورا ولا يجبر على البقاء تحت أي ظرف من الظروف.”

«جنود وحراس أمنيين سودانيين يقومون بحماية ميناء عدن الذي تديره الإمارات.»

— محمد عبده، صحفي يمني

أما فيما يخص  وجود سودانيين يعملون في اليمن لحساب الإمارات، كشف الصحفي اليمني محمد عبده عن وجود “جنود وحراس أمنيين سودانيين يقومون بحماية ميناء عدن الذي تديره الإمارات، بالإضافة لحماية مناطق سكن الضباط الإماراتيين الموجودين في اليمن ضمن القوات الإماراتية المتبقية في اليمن”.

وأضاف عبده: “لا أستطيع أن أؤكد ما إذا كان هؤلاء الجنود يتبعون بالتحديد لشركة بلاك شيلد أو شركة أخرى، لكنهم سودانيون ويعملون في تأمين الميناء وغيره من المنشآت البترولية وخلافه”.

وحاول ‘موقع الأضواء’ التواصل مع الشركة. بعد بحث مكثف لأي معلومات تجعل هذا التواصل ممكنا، لم تتوج هذه المحاولات بالنجاح. لحد الآن، لم يجد ‘موقع الأضواء’ أي عنوان إلكتروني للشركة، ورقم الهاتف الموجود على وثيقة يزعم أنها عقد مع شركة بلاك شيلد، والتي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، مغلق.

قضية قديمة

يقول موظف في إحدى وكالات السفر والسياحة في الخرطوم، فضل حجب هويته لأنه غير مخول بالحديث، إن عدد من وكالات السفر والسياحة والمضاربين في سوق العملات الأجنبية وغيرهم من التجار يعملون كشبكة واحدة تقوم بتجنيد الشباب بصورة غير مباشرة لصالح الشركات الإماراتية من أجل المال.

“الكثير من الوكالات سمعتها سيئة وتقوم بالاحتيال وتتلاعب في مصير الشباب وتستغل حاجتهم للعمل في ظل انتشار البطالة المعروف في البلاد”، يقول الموظف، مضيفا أن “هذا الأمر كان يحدث منذ عهد النظام البائد، وللأسف بعض مثل هذه الأمور ما تزال مستمرة”.

وحتى تاريخ نشر هذه المادة، عاد 50 سودانيا من الإمارات حسب تقرير لموقع الأناضول تاريخه 28 يناير، 209 سودانيا من أبوظبي حسب تقرير للجزيرة تاريخه 31 يناير، و80 آخرين من ليبيا حسب تقرير على موقع الأناضول تاريخه رابع فبراير الجاري.

ومازال الشباب ينتظرون أمام باب ‘وكالة أماندا للسفر والسياحة’، حيث أنه ولحد الآن لا علم لهم بكيفية استرجاع وثائقهم ونقودهم، التي دفعوها معتقدين أنها أول خطوة تجاه مستقبل مشرق.

— فيصل محمد صالح، وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة الانتقالية السودانية.