ميدان الاعتصام بالقيادة العامة لقوات الجيش السوداني. (cc) موقع الأضواء | طارق عثمان | يوليو 2019


بينما يظن البعض أن الدولة العميقة حقيقة موجودة وستشكّل تحدياً أمام حكومة عبد الله حمدوك، يعتقد آخرون أن مصطلح ‘الدولة العميقة’ مجرد خيال أو شماعة تعلق عليها الحكومة فشلها في الخدمات أو القضايا التي ينبغي عليها إنجازها في الفترة الانتقالية.


ظهر مصطلح ‘الدولة العميقة’ كواحدة من إفرازات النظام السابق في السودان. بعد نجاح الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير، حملت تصريحات لقادة إعلان قوى الحرية والتغيير آراء مختلفة ومتضاربة في ذات الوقت، حول ‘الدولة العميقة’.

“إنّ الدولة العميقة موجودة ويجب حسمها”

— وجدي صالح، المتحدث الرسمي باسم قوى التغيير

في 24 من سبتمبر الماضي، نفى المتحدث الرسمي باسم قوى التغيير وجدي صالح في تصريحات نقلتها عنه صحيفة ‘آخر لحظة’، وجود دولة عميقة، معترفاً في الوقت ذاته “بوجود ما أسماه بالدولة الخفية المتواجدة في بعض مؤسسات الدولة”.

مخالفا لهذه التصريحات، قال وجدي يوم 30 سبتمبر في تصريحات لصحيفة الانتباهة “إنّ الدولة العميقة موجودة ويجب حسمها لجهة أنّها تعبث بالاقتصاد”.

من جهته اتهم وزير المالية، إبراهيم البدوي، عناصر من الثورة المضادة بالتسبب في ارتفاع أسعار الدولار عبر زيادة الطلب على العملات الأجنبية، وقال البدوي: “هنالك عمل تقوم به الثورة المضادة في مشتريات الدولار والعملات الأجنبية بوتيرة عالية ومتسارعة.”

ماهي الدولة العميقة؟

هناك تفسيرات مختلفة لمصطلح ‘الدولة العميقة’ تصب جميعها في كون الدولة العميقة أفرادا ومجموعات من عناصر النظام السابق، تربطهم مصالح مشتركة يعملون على المحافظة عليها. يقول بروفيسور إدريس الدومة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية، إن “‬أساتذة السياسية يعتقدون أن مصطلح الدولة العميقة خطأ”، والصحيح حسب الدومة “الحكومة العميقة”.

“الدولة العميقة تتمثل في المصالح التي أوجدها النظام السابق بين الناس الموالين له”

— إدريس الدومة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية،

يؤكد الدومة في حديثه مع ‘موقع الأضواء’ أن “النظام السابق موجود في مؤسسات الحكومة ويصر على منع استمرارية الدولة”.

وحسب د. حمزة عوض الله، أستاذ الإعلام في الجامعة الإسلامية وأكاديمية علوم الاتصال فإن “الدولة العميقة عبارة عن أفراد ومجموعات تربطهم مصالح مشتركة ويعملون سويا لتقويض الثورة وإفشالها”.

فيما يقول حاتم اليأس المحامي والناشط السياسي في حديث لـ ‘موقع الأضواء’ إن “الدولة العميقة تتمثل في المصالح التي أوجدها النظام السابق بين الناس الموالين له”.

يوضح إلياس أن “الدولة العميقة هي دولة المصالح الطبقية لفئات بعينها استفادت من جهاز الدولة، وهذه موجودة في الاقتصاد وجهاز الأمن”.

هذا ما يؤكده مدني عباس مدني وزير الصناعة في حسابه على موقع فيسبوك رصده ‘موقع الأضواء’ الذي قال إن “الدولة العميقة ليست مجرد تنظيم سياسي ولكنها أيضا مجموعة علاقات ومصالح تشابكت خلال الفترة الماضية داخل الخدمة المدنية وخارجها، ونمط سلوك في الخدمة المدنية يستسهل الولوغ في المال العام، ويتسم بعدم الكفاءة والفعالية”.

ما هو تأثير الدولة العميقة؟

يعتقد حاتم إلياس أن “الموضوع لا ينبغي أن يشكّل قلق للناس، لأن الدولة العميقة فيها جانب كبير تعرى وفقد تأثيره وذلك فيما يتعلق بعقيدة الإسلاميين المشتركة، التي تفككت وحصل لها اهتراء”.

لكن في نفس الوقت، يحذر من إمكانية “عداء الدولة العميقة للديمقراطية، فهي لا تستطيع أن تعمل إلا في أجواء غير ديمقراطية”.

هذا ويشير د. حمزة عوض الله إلى أنه “لا ينبغي أن تكون الدولة العميقة شماعة تعلق عليها الحكومة أي شيء، حتى وإن كان تقصيرا في الخدمات”.

تفكيك الدولة العميقة عمل يومي

على المستوى الرسمي هناك إقرار بضعف محاربة أو القضاء على الدولة العميقة وآلياتها، وهذا ما يشير إليه وزير الصناعة عباس مدني الذي، أقر بوجود إحساس بضعف عملية تفكيك هذه الدولة.

“إذا كان هنالك إقرار بعمق سيطرة النظام البائد على مفاصل الدولة واستباحتها خلال الثلاثون عاماً الماضية، فلن يكون من المنطقي الظن بتفكيك هذه البنية خلال أيام معدودة”، يفسر مدني.

“مسار تفكيك سيطرة عناصر النظام البائد هو مسار عمل يومي”

— عباس مدني، وزير الصناعة

وأكد مدني أن “مسار تفكيك سيطرة عناصر النظام البائد هو مسار عمل يومي، يمضي في توازي مع مسار بناء دولة تنسق وطموحات الثورة دولة الحرية والعدالة والمساواة”.

“نظام الإنقاذ السابق يعمل جاهدا لتعطيل الحكومة الانتقالية ويحاول إقناع الرأي العام بان هذه الحكومة فاشلة”، هكذا يقول بروفيسور إدريس الدومة، الذي أشار إلى أن “الدولة العميقة موجودة في دول كثيرة، من بينها مصر التي نجحت فيها لكنها فشلت في مناطق ودول أخرى”.

يؤكد الدومة أن التعامل مع الدولة العميقة ينبغي أن “يكون من خلال محاسبة حقيقة وتفكيك النظام وحل المؤتمر الوطني ومصادرة ممتلكاته وأن يؤول جهاز الأمن إلى رئاسة الوزراء”.