لاجئة في القضارف، أثناء الطبخ، أكتوبر 1984. (cc) فرانك كيلور

يعاني العديد من الأشخاص الموجودين في السودان من عدم تمكنهم من الحصول على أوراق ثبوتية، مما يؤدي إلى تصنيفهم كـ ‘عديمي الجنسية’. لذلك العديد من العواقب عليهم وعلى أسرهم.

عادت الصغيرة فطوم إلى المنزل منتصف نهار يوم دراسي وقد خاب أملها وتكسو وجهها سحابة حزن، بعد أن تم طردها من مدرسة الأساس التي تدرس فيها.

السبب وراء طردها هو أنها عجزت عن إحضار وثيقة الرقم وطني لها أو لوالدها، حتى يتسنى لها الجلوس لامتحان شهادة الأساس. هذا الرقم الوطني يمكن الحصول عليه فقط عبر تقديم شهادة الجنسية السودانية.

والدة فطوم بذلت المستحيل وترجّت مديرة المدرسة بأن تسمح لابنتها المتفوقة بمواصلة تعليمها، مفسرة لها أن والد فطوم غائب عن المنزل لشهور نتيجة لتواجده بمناطق نائية بحثا عن عمل، كما أنه لا يملك وثيقة سودانية. لكن مديرة المدرسة أبدت أسفها العميق على قرار طرد فطوم من المدرسة إلى غير رجعة، معللة ذلك بأن الأمر ليس بيدها، حيث أن سياسة وزارة التعليم العام واضحة ولا تسمح بالجلوس للامتحان المفصلي إلا بعد تقديم الرقم الوطني.

فطوم ضحية من بين المئات في شرق السودان الذين يعانون الحرمان من الجنسية أو الهوية، لتنضم هذه المجموعات بشرق السودان إلى نحو عشرة ملايين من البشر الفاقدين للجنسية في العالم، معظمهم ينتمون إلى دول الشرق الأوسط ويطلق عليهم في بعض دول الخليج ‘البدون’.

«من المؤكد أن حرمان الإنسان من حقه الطبيعي في الحصول على وثيقة تثبت هويته وتحدد انتماءه يعتبر ظلما ويؤدي إلى نتائج خطيرة.»

— نميري وداعة، باحث اجتماعي في ‘مركز الشرق للحماية القانونية’

تقول المحامية ومنسقة العون القانوني لمنظمةالسودان للتنمية الاجتماعية‘، سماح عثمان أحمد، في حوار مع ‘موقع الأضواء‘، إن “في السودان عدد كبير من الفاقدين للهوية وإن كان [هذا العدد] غير محصور بدقة”.

ويعدد الباحث الاجتماعي في ‘مركز الشرق للحماية القانونية’، نميري وداعة، الآثار المترتبة على الحرمان من الجنسية في الحرمان من التعليم، صعوبة الحصول على العمل، الحد من حركة الإنسان وغيرها من الآثار التي اعتبرها وداعة “خطيرة وتؤدي لمشاكل سياسية واجتماعية”.

“من المؤكد أن حرمان الإنسان من حقه الطبيعي في الحصول على وثيقة تثبت هويته وتحدد انتماءه يعتبر ظلما ويؤدي إلى نتائج خطيرة”، يضيف وداعة لـ ‘موقع الأضواء‘.

ظاهرة فقدان الهوية تمددت نتيجة للجوء والنزوح الذي شهده السودان ودول جواره في السنوات الماضية، بالإضافة لانفصال جنوب السودان وإسقاط الحكومة السودانية لجنسية ملايين جنوب السودانيين.

‘الجنقو’، أبيي وحفرة النحاس

تشير أحمد إلى مجموعة يطلق عليها اسم بـ’الجنقو‘، تتمركز في ولاية القضارف، شرقي السودان، والتي يعاني أفرادها من صعوبة الحصول على أوراق ثبوتية. ‘الجنقو’ عمال موسميين تعود أصول الغالبية منهم لدولة جنوب السودان وبعضهم لولاية النيل الأزرق بالسودان. هم مجموعات غير مستقرة ويتنقلون بين المشاريع الزراعية المختلفة بالإضافة لجنوب ولاية القضارف، كما يعملون كعمال موسميين في حصاد الذرة والسمسم وحصاد قصب السكر في مشاريع حلفا الجديدة وسنار.

وما زاد من صعوبة حصول جزء مهم من ‘الجنقو’ على أوراق ثبوتية هو انفصال جنوب السودان عن السودان، وما أعقب ذلك من توتر العلاقات بين البلدين خلال حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، وأوامره من وقت لآخر بإغلاق الحدود والتشديد على عدم منح الجنسية السودانية لجنوب السودانيين.

«وجدنا أن السلطات السودانية تريد أن تكون حفرة النحاس جزءا من السودان ولكنها لا ترغب في استيعاب مواطني المنطقة.»

— سماح عثمان أحمد، محامية ومنسقة العون القانوني، منظمةالسودان للتنمية الاجتماعية’

وتشير المحامية أحمد كذلك إلى مشكلة فاقدي الهوية في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان. نسبة لعدم وضوح الرؤية حول تبعية المنطقة لأي من الدولتين، كما أن رغبة واختيار مواطني منطقة أبيي لا تُحترم من الدولتين.

هذا هو الحال كذلك بالنسبة لسكان منطقة حفرة النحاس\كافي كنجي. “كمنسقي عون قانوني للمتضررين وجدنا أن السلطات السودانية تريد أن تكون حفرة النحاس جزءا من السودان ولكنها لا ترغب في استيعاب مواطني المنطقة”، تقول أحمد.

وفي كل هذه المناطق، يكون نصيب معاناة النساء كبيرا كما تقول أحمد: “شرائح المرأة والأطفال والنازحين واللاجئين يعتبرون من الشرائح الأكثر عرضة لفقد الجنسية.”

وللمرأة نصيب

يقول النعيم مبارك، صحفي مهتم بشؤون المرأة، لـ ‘موقع الأضواء‘ أن هنالك فئات أكثر تضررا، خاصة النساء السودانيات المتزوجات من أجانب، أو المطلقات.

حسب مبارك، تشترط سلطات الهجرة والجوازات والرقم الوطني السودانية أنه من أجل استخراج شهادة ميلاد للطفل، يجب توفر الرقم الوطني لكل من الأب والأم، بالإضافة لوثيقة الزواج. من الصعوبة توفر هذه الوثائق لأسباب عدة منها عدم وعي الأسر بأهمية الوثائق الثبوتية وثانيا عدم تأهيل القابلات اللائي يقمن بتسجيل المواليد وافتقارهن لمهارة القراءة والكتابة في الأرياف، بالإضافة للإجراءات الطويلة التي يعجز النساء الإيفاء بها والرسوم العالية التي تفوق إمكانيات الأسر الفقيرة.

“كل هذه الأشياء جعلت من شريحة كبيرة من النساء والأطفال يحرمون من الحصول على الوثائق الثبوتية”، يضيف مبارك.

وينوه النعيم، إلى أن قانون الجنسية السوداني المعدل سنة 2011 أعطى الأم السودانية الحق بأن يتمتع أبناءها بالجنسية السودانية وهو مكسب للمرأة. ولكن في المقابل ذكر نفس القانون أن موافقة الأب الأجنبي وحضوره شرط لتجنيس الأطفال بنفس جنسية الأم السودانية، وهو أمر يصعب على الأم إقناع الأب به، حيث قد تكون الأم مطلقة مثلا.

سودان خالي من فاقدي الهوية

صرح عضو المكتب القيادي بقوى الحرية والتغيير ولاية كسلا الناشط الحقوقي و المحامي عباس سعيد لـ ‘موقع لأضواء‘ أن شريحة كبيرة عانت في العهد البائد من فقدان الهوية وخاصة أبناء اللاجئين المولودون في الأرض السودانية.

وأضاف سعيد أن الجيل الذي قاد ثورة ديسمبر لا يقبل إلا بدولة سودانية محترمة تسود فيها مبادئ حقوق الإنسان وأضاف: “سيتم إجازة قوانين عبر المجلس التشريعي القادم من شأنها تقنين أوضاع شريحة فاقدي الهوية بحيث لا يكون في السودان الجديد سوى ثلاثة شرائح إما مواطن سوداني، أو لاجئ يتمتع بحقوق اللجوء، أو مقيم، ولا شيء غير ذلك.”

«لا يكون في السودان الجديد سوى ثلاثة شرائح إما مواطن سوداني، أو لاجئ يتمتع بحقوق اللجوء، أو مقيم، ولا شيء غير ذلك.»

— عباس سعيد، محامي، ناشط حقوقي وعضو المكتب القيادي بقوى الحرية والتغيير، ولاية كسلا