أم سودانية وطفلها.
فرانك كيلور|أكتوبر 1984


النساء في السودان يأملن في مزيد من الحريات والمساواة في حقبة ما بعد البشير. تقول الزهراء جاد الله إن القوانين والممارسات التقييدية أضرت بجميع النساء، خاصة الأمهات العازبات والمطلقات.


العيش في بلد مثل السودان صعب جدا. على كل سوداني وسودانية المثابرة ضد غلاء المعيشة – الإيجار، البضائع في المحلات، التعليم الجيد، الرعاية الصحية المعقولة وغيرها من الخدمات العامة كلها مرتفعة السعر. الأزمة الاقتصادية تعني أيضا أن الكثير من الناس عاطلون عن العمل، أو يعملون بأجور زهيدة. أضف إلى هذه التحديات الوضع الأمني الهش والعدد الذي لا يحصى من القضايا الاجتماعية الأخرى، تصبح الحياة في السودان من أصعب ما يكون.

ولكن بالنسبة للنساء فإن الأمور أصعب بكثير. استمر نظام الرئيس السوداني السابق المخلوع عمر البشير في السلطة منذ انقلاب عام 1989. في أبريل 2019، وبعد أشهر من الاحتجاجات واسعة النطاق، انتهى حكم حزب المؤتمر الوطني الإسلامي وزعيمه. وخلال الثلاثين عاما التي قضاها في السلطة، أعاقت القوانين التقييدية القائمة على الشريعة الإسلامية، حقوق المرأة في جميع أنحاء البلاد.

أعاقت القوانين التقييدية القائمة على الشريعة الإسلامية، حقوق المرأة في جميع أنحاء البلاد.

على الرغم من أن النساء لعبن دورًا مهمًا خلال الانتفاضة التي أدت إلى سقوط البشير إلا أن تركة النظام السابق لا تزال حقيقة يومية لمعظم النساء السودانيات. فإعادة التفاوض على القيود الاجتماعية والقانونية والاقتصادية الراسخة والتغلب عليها سيستغرق بعض الوقت. لذا فالآن، وعلى الرغم من بعض التحسينات، فإن حياة المرأة في السودان ليست سهلة. الآن تخيل حال أم مطلقة وعازبة!

أنا أم مطلقة وعازبة، أعيش في السودان. أجد صعوبة في تلبية احتياجات الطفلين اللذين أعيلهما وأبذل قصارى جهدي في ظل وصمة عار اجتماعية، وقانون قائم على التمييز المبني على الجنس والذي لا يوفر أي حماية للأم العازبة وأطفالها.

قانون الأحوال الشخصية

لا يمنح قانون الأحوال الشخصية الإسلامي القائم في السودان النساء حقوقا متساوية مع الرجال. فالتشريعات التي تنظم حقوق المرأة في الزواج والوصاية على الأبناء والطلاق والإرث شرعت في عام 1991 وما زالت قائمة حتى اليوم.

بموجب القانون، يحق للمرأة المطلقة الوصاية على أبنائها الذكور حتى عمر السبع سنوات وعلى بناتها حتى عمر التسع سنوات. وقد تقوم المحكمة بتمديد هذه الفترات إذا وجدت أنها في مصلحة الموصى عليهم، حتى سن البلوغ للذكور وحتى زواج الإناث.

يقوم الأب، أو ولي أمر ذكر، بمراقبة جميع المسائل المتعلقة بتربية الأطفال الذين هم تحت وصاية أمهاتهم.

تنتهي حضانة امرأة من دين مختلف عن دين الأب عندما يبلغ الطفل سن الخامسة أو قبل ذلك، إذا كانت هناك مخاوف من تأثير الحضانة على معتقدات الطفل. ويكون الأب مسؤولا عن إعالة ابنته حتى تتزوج وإعالة ابنه حتى يصل من العمر ما يؤهله لكسب رزقه.

تفقد الأم حضانة أطفالها إذا تزوجت مرة أخرى أو إذا كانت لديها وظيفة أو دراسة تستغرق منها وقتًا طويلاً.

تفقد الأم حضانة أطفالها إذا تزوجت مرة أخرى أو إذا كانت لديها وظيفة أو دراسة تستغرق منها وقتًا طويلاً. علاوة على ذلك، ونظرًا للوائح التي نفذها نظام حزب المؤتمر الوطني، لا يمكن للنساء الحصول على أي مستندات أو شهادات أو بطاقات هوية قانونية لأطفالهن دون حضور الأب أو موافقته ولا يمكنهن السفر مع الأطفال إلى الخارج.

استخدم الرجال هذه القوانين كأداة لقمع طليقاتهم والسيطرة على حياتهن وقد كان لها آثار مدمرة على الأطفال وأمهاتهم.

على حافة اليأس

في 30 يونيو 2018، جاء والد أطفالي الإثنين، اللذين كان لدي وصاية كاملة عليهما وفقًا لعمريهما (الخامسة والسادسة في ذلك الوقت) وأخذهما دون موافقتي أو حتى معرفتي. كنت أحضر العشاء عندما جاء وأخذهما بينما كانا يلعبان خارج باب شقتنا المفتوح داخل المبنى.

عندما غاب صوتاهما، هرعت إلى الشارع ورأيت السيارة وهي تغادر. محاولاتي للاتصال به ظلت دون إجابة. فيما بعد اتصل بي صديق لزوجي السابق وقال لي: “أطفالك معنا. إنهما في المكان الذي يجب أن يكونان به، ولن تستطيعي رؤيتهما أبدًا مرة أخرى. “

بعد هذه المكالمة، ذهبت مباشرة إلى مركز الشرطة وأبلغت عن الحادثة. وكانت هذه الخطوة بمثابة بداية لعملية محبطة استمرت أربعة أيام لاستعادة أطفالي.

أول ما قيل لي في المركز “إنها ليست جريمة، ولا يوجد قانون يمنع الأب من أخذ أطفاله حتى لو لم يكن لديه حق الوصاية عليهم”. أُخبرت كذلك أنه “سيتعب ويثقل بمسؤولياتهم وسيعيدهم لك في وقت قريب جدا”.

«لا يوجد قانون يمنع الأب من أخذ أطفاله حتى لو لم يكن لديه حق الوصاية عليهم.»

في نهاية المطاف، وافق ضباط الشرطة على بدء عملية إصدار أمر اعتقال وإحضار بتهمة “الإهمال بقصد إحداث الضرر”. وعلى الرغم من أن التهمة لم تقترب من خطورة الجريمة المرتكبة، كانت تلك الطريقة الوحيدة الممكنة لبدء أي إجراءات لاسترجاع أطفالي.

تطلبت الأيام التالية زيارات متعددة لمركز الشرطة ومكتب المدعي العام وخدمات الأطفال ومحكمة الأحوال الشخصية التي تهدف إلى المساعدة في قضايا مثل هذه القضية.

توسلت إلى أطراف مختلفة للحصول على المساعدة، لكنني شعرت أن إرادة مختلف الجهات لمساعدتي ضعيفة. في السودان، يمكنك إنجاز أمورك بنجاح إذا كنت تعرف الأشخاص المناسبين الذين يحتلون المناصب المناسبة. ولكن بعد المرور بالعديد من الوسطاء، والطلب من الأشخاص الذين هم في المناصب العليا، كان بحثي عن المساعدة بلا جدوى. كنت وحيدة.

بعد أن وصلت إلى حافة اليأس، استعنت بمجتمعي على شبكة الإنترنت. نشرت صورًا لأطفالي وطلبت ممن يشاهدهم الاتصال بي على وجه السرعة. شارك الناس ما نشرت وعبروا عن آرائهم بشأن نضالي واستعادة أطفالي. وهذا بالطبع أغضب الشرطة، التي ادعت أن أفعالي وضعتها في موضع سيئ. هذا طبعا لم يكن هدفي: كنت مجرد أم تحاول استعادة أطفالها.

خلصت الشرطة إلى أن قضيتي لم تكن ضمن اختصاصها، وأنه ينبغي علي توجيه شكواي إلى مؤسسات متخصصة. طرقت جميع الأبواب التي تمكنت من التفكير بها. حددت محكمة الأحوال الشخصية إطارًا زمنيًا يمتد لأشهر قبل أن تتمكن من معالجة قضيتي، وببساطة رفضت خدمات الأطفال القيام بأي عمل عندما اتصلت بها في اليوم الثاني.

«لا يمكنني عمل أي شيء من أجلك الآن.»

تلقى رئيس مركز الشرطة أمرًا بوقف التعامل مع قضيتي وإحالتي إلى المؤسسات المتخصصة – التي كنت قد اتصلت بها بالفعل سابقا. قال لي “لا يمكنني عمل أي شيء من أجلك الآن”. ومع ذلك، فقد أعطاني بارقة أمل: “إذا تمكنت من الحصول على عنوان في غضون 24 ساعة، فسأرسل ضباطًا معك لتسترجعي أطفالك”.

الانفراج

لمشيئة القدر، جاء مجتمع الإنترنت لإنقاذي. تلقيت معلومات من امرأة قالت لي أنها رأت أطفالي. بعد بعض التردد، تأكدت من أنني والدة الأطفال واستطعت الحصول منها على العنوان.
أوفى رئيس مركز الشرطة بوعده وأرسل معي خمسة ضباط إلى العنوان في ضواحي الخرطوم. ووجدت أطفالي يلعبون دون إشراف في الشارع. كانت ملابسهم متسخة وأعينهم قد فقدت بريقها.

قالت لي ابنتي: “كنت في الشارع انتظرك وكنت أعلم أنك ستأتين.” ابتهج قلبي، لأنني عرفت حينها أنه طوال الأيام الأربعة التي كانا فيه بعيدا عني، فهما لم يفقدا الأمل أبداً. كانا يعلمان أنني لم أتخل عنهما.

«كنت في الشارع أنتظرك وكنت أعلم أنك ستأتين.»

حدث هذا قبل سنتين. اضطررت أنا وأطفالي لتغيير عنواننا ورقم هاتفنا وتلقي العلاج النفسي. تم رفع دعوى ضد زوجي السابق، لكنها دون جدوى، حيث أنني ببساطة لم أستطع تحمل تكاليفها، ولم يكن لدي وقت كاف لمتابعتها، وما زالت القوانين واللوائح كما هي.

ولسوء الحظ، تم نقل رئيس مركز الشرطة الذي ساعدني “بشكل غير رسمي” إلى ولاية أخرى. أنا ممتنة لمساعدته، وممتنة جدًا للسيدة التي اهتمت بقضيتي وقدمت المعلومة الضرورية التي مكنتني من استعادة أطفالي، كما أنني ممتنة لآلاف الأشخاص الذين اهتموا، وشاركوا ما نشرته وحاولوا تقديم المساعدة، عندما خذلتني الكيانات الرسمية.

للأسف، يمكن أن أتعرض أنا وأطفالي لهذا الموقف مرة أخرى في حال تمكن زوجي السابق من العثور علينا وأخذ أطفالي مرة أخرى، أو في حال تقدمه بطلب الوصاية، حيث أن الأطفال الآن قد وصلوا تقريبا السن الذي يمكنه من إبطال حق وصايتي عليهم. سيكون مصيرنا متعلقا بوجهة نظر القاضي الشخصية.

كان الأمل والإصرار ومساعدة الآخرين سبب استرجاعي لأطفالي.

كنت محظوظةً لأنني تمكنت من استرجاع أطفالي لكن هذا ليس حال جميع الأمهات في السودان. كصحفية تكتب بشكل مكثف عن حقوق المرأة، سمعت قصصاً مروعة أكثر بكثير من قصتي.
لدي صديقة لم تر أطفالها منذ أكثر منذ عشر سنوات. وهي ما زالت تنتظر وتكافح، حيث فر والدهم من البلاد وأخذ الأطفال معه، الذين كبروا وأصبحوا رجالاً دون أمهم. يمكن للآباء أن يصدروا جوازات سفر وأن يسافروا مع أطفالهم دون معرفة الأمهات ومن غير القانوني للأمهات أن يقمن بالشيء نفسه.

الاختطاف الأبوي ليس جريمة في السودان. وعند إضافة جميع القوانين التي تميز ضد النساء والأمهات، فإننا نواجه أفقًا قاتمًا، رغم حقبة ما بعد البشير الجديدة في السودان.
من المفترض أن يتمتع الناس بالحريات التي ناضلوا من أجلها. ولا يسعني إلا أن أتساءل أين نقف نحن، كنساء وأمهات، في قائمة أولويات الحكومة الانتقالية.

وبالنظر إلى أن دعوات مؤيدي حقوق المرأة والمدافعين عنها غالبا ما تلقى آذاناً صمَّاء، فأنا لست متفائلة، لكن الأمل سيظل يراودني وسأظل على إصراري. فبعد كل شيء، كان الأمل والإصرار ومساعدة الآخرين سبب استرجاعي لأطفالي.