‘تسقط بس’ شعار الثورة السودانية. © محمد جمال
‘تسقط بس’ الهتاف الأشهر للثورة السودانية، أنتجه الشعب السوداني مثل كثير من الشعارات والهتافات التي أرعبت نظام حزب المؤتمر الوطني.
هتاف في كلمتين ‘تسقط بس’ هو الأقوى والأرسخ، ويعني إسقاط الحكم الدكتاتوري بالكامل، إسقاط لا مجال فيه لأي شكل من أشكال الموازنات أو التسويات.
ظل هذا الهتاف حاضرا ومعبرا عن المطلب الأساسي للثورة السودانية، وظهرت دلالاته بقوة في يوم 11 أبريل 2019 عندما أعلن الفريق عوض إبن عوض، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير.
في هذا اليوم كانت الرسالة الأقوى لدول العالم أن الوعي الثوري عند الشعب السوداني لا يمكن التلاعب به بأي سيناريو من السيناريوهات الدولية المحفوظة لإجهاض الثورات في الدول التي تعمل للتحرر والتقدم.
عادت جماهير الشعب السوداني إلى محيط القيادة العامة للجيش السوداني، بهتاف جديد ‘لم تسقط بعد’، رافضة لبيان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ورافضة لتوليه قيادة المرحلة الانتقالية، لأنه جزء من النظام البائد، ولأن خطابه ذهب في اتجاه المساومة والتوازنات التي تحافظ على نظام المؤتمر الوطني وتسقط رأس النظام عمر البشير فقط.
‘حرية، سلام وعدالة – مدنية خيار الشعب’
سبق وعي الشعب السوداني بالثورة، حتمية التغيير وضرورة اقتلاع نظام القتل والتدمير من جذوره، الجميع بما فيهم بيان تجمع المهنيين السودانيين، المنظم لحركة الشارع السوداني في تحديد أماكن ومسارات المواكب والتظاهرات.
متظاهر سوداني يحمل العلم الوطني عليه ‘مدنية بس’ خلال تجمع حاشد
خارج القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم في 2 مايو (أ ف ب)
عاد الشعب لموقع الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، مطالبا بالحكومة المدنية رافضا لوجود العسكر في الفترة الانتقالية. وظهر من داخل موقع الاعتصام هتاف مدوي ‘حرية، سلام وعدالة – مدنية خيار الشعب’، في إشارة واضحة للتمسك بمطالب الثورة التي أطاحت بالبشير.
امتدت المطالبة للإطاحة برئيس المجلس الانتقالي الفريق عوض إبن عوض، ليكتب التاريخ في سجلاته من جديد أن عظمة الثورة السودانية، في الشعب الذي أجبر عوض إبن عوف على إصدار بيان بعد ساعات من بيانه الأول بإسقاط البشير، أكد من خلاله عن تنحيه عن رئاسة المجلس الانتقالي مع نائبه الفريق كمال عبد المعروف، لتُسقط الثورة السودانية رئيسيين خلال 24 ساعة.
‘تسقط بس’ عالميا
ظل هتاف ‘تسقط بس’ جاذبا ومبهرا ومتداولا بكثافة يعبر عن الثورة السودانية في كل أنحاء العالم. صار هذا الشعار مادة إعلامية للوكالات والصحافة والفضائيات من خلال نشرات الأخبار. دارت التساؤلات في البداية عن معنى هذا الهتاف الذي له مفعول السحر عند السودانيين.
مع مرور الوقت والتصعيد اليومي ليصل إلى شهور، أصبح الشعار موازيا لإسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
لم يخف الإعلام العالمي إعجابه بإرادة الشعب وما ينتجه يوميا من هتافات، فكانت التقارير الصحفية والإعلامية تتناول هتافات وشعارات الثورة المختلفة التي تناسب مع كل مرحلة من مراحل الثورة.
‘شرقت شرقت… عطبرة مرقت’
شكلت الشعارات مراحل مختلفة مرّت بها الثورة التي اكتملت بإسقاط المخلوع يوم 11 أبريل. وارتبطت مدينة عطبرة بالنضال في وجه المستعمر والحكومات الدكتاتورية، وكان لها دوما مواقف قوية في الثورات السودانية.
عطبرة هي مدينة العمال، مدينة الحديد والنار. عندما انطلقت شرارة 19 ديسمبر من مدينة عطبرة، كانت الهتافات في عدد من المدن وفي مدينة عطبرة ‘شرقت شرقت… عطبرة مرقت’، بمعنى ‘طلعت طلعت … عطبرة خرجت’ .
أكد هذا الشعار على الدور الثوري التاريخي للمدينة التي ارتبطت كذلك بالقطار الذي أتى من عطبرة لدعم الاعتصام أما القيادة العامة للجيش السوداني.
‘يا عنصري ومغرور، كل البلد دارفور’
وقد عبّرت الثورة كذلك بشعارات مختلفة عن أزمات وإشكالات عميقة عانى منها الشعب السوداني. عندما هتف الشعب السوداني ‘يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور’ كانت الرسالة موجهة للنظام ومدير المخابرات صلاح قوش وهو يحاول إخراج مسرحية هزلية باتهام طلاب من دارفور على أنهم من حركة عبد الواحد نور ويخططون لعمليات تخريبية.
انتبه الثوار لهدف النظام العنصري بالتمييز بين أبناء الوطن وأن القادم أسوأ، فكان هتاف ‘يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور’. ظهر هذا الشعار كذلك في الخرطوم، حين اجتمع الآلاف، في الثاني من يناير 2020، للتنديد بمجزرة الجنينة في غرب دارفور. أدت اشتباكات ذات طابع قبلي في الجنينة، إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، إضافة لنزوح الآلاف من معسكر النازحين، توجه معظمهم نحو الحدود التشادية – السودانية. طلبا للأمن.
واتهمت ‘قوى إعلان الحرية والتغيير’ آنذاك عناصر من النظام السابق بالوقوف وراء أحداث العنف، وطالبت الحكومة الانتقالية بإقالة حاكم غرب دارفور العسكري، وتعيين حاكم مدني.
‘أنا جدي ترهاقا وحبوبتي كنداكة’
استدعت الشعارات التاريخ، لتُذَكِّر بحضارة مملكة ‘كوش’ وأن لهذا للشعب السوداني تاريخ ضارب في القدم، فكان شعار ‘أنا جدي ترهاقا وحبوبتي كنداكة’ للتذكر بأننا أحفاد ملوك وملكات مملكة كوش.
ترهاقا هو أحد ملوك الكوش الذي كان معروفا بشجاعته وإمكانياته الاستراتيجية والعسكرية العالية. كنداكة هو لقب الملكات الحاكمات في مملكة الكوش.
ارتفع هذا الشعار للتدليل على التاريخ القديم والحضارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن كون أجدادنا ملوك وملكات شيء يدل على القوة، الشجاعة والصمود، وهذا هو ما تميزت به الثورة السودانية من بداياتها حتى إطاحة النظام. استمدّ المتظاهرون قوتهم وصبرهم من التواجد المستمر لروح الشجاعة التي جسدها ملوك وملكات الكوش.
ربما قبل الشجاعة، جاء هذا الشعار دلالة على المساواة بين المرأة والرجل. فكما حكمت كنداكات السودان بنفس مهارات وقوة الملوك، فلقد قادت النساء الثورة جنبا إلى جنب مع الرجال. هكذا تمكن السودانيون، عبر شعارات الثورة، من تصور ورسم مستقبل يتسم بالحرية، السلام، العادلة، الحكم المدني، والمساواة.