طائر النحام في وادي حلفا، السودان.
(cc) worldmigratorybirdday.org


لدى عوض محمد شغف بالطيور وظل منذ أكثر من 10 سنوات يوثق طيور السودان بدعم قليل. في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة، يأمل عوض أن تحظى الطيور ونادي مراقبة الطيور بمزيد من الاهتمام.


ألقت سنوات الصراع العنيف بثقلها على الحياة البرية في السودان، حيث تم قتل العديد من الحيوانات مباشرة بإطلاق النار عليها، أو بالصيد الجائر الذي مارسه المقاتلين الذين استخدموا هذه الحيوانات كمصدر غذائي أساسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد القارة الأفريقية على الكهرباء في ارتفاع سريع، مما يرفع كذلك في رغبة الحكومات في التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات هائلة. السودان مشمول أيضا في هذا التوجه حيث يمكن أن تموت الملايين من الطيور المهاجرة بسبب الصعق بالكهرباء والاصطدام بكابلات الكهرباء في قطاع طاقة آخذ بالتوسع.

وعلى الرغم من أن أكثر من 90 في المائة من مساحة السودان تصنف على أنها أنظمة بيئية صحراوية وشبه صحراوية، إلا أنها لا تزال غنية بالتنوع البيولوجي، بفضل غاباتها – التي تشكل 12 في المائة من أراضيها – والحياة البرية المتاخمة أو المرتبطة بالنيل وتفرعاته وبالبحر الأحمر. السودان ليس بلدا في شرق إفريقيا يمكن للمرء فيه مشاهدة مجموعة كبيرة من الأنواع، ولكن النيل الذي يتدفق عبر العاصمة الخرطوم، هو ممر هجرة رئيسي لمجموعة جيدة من الأنواع. لذلك هناك الكثير من الطيور التي يمكن لمراقب حريص أن يرصدها.

عوض محمد. (cc) موقع الأضواء | الزهراء جاد الله

أحد مراقبي هذه الطيور هو عوض محمد. عن هوايته، يقول عوض أن “هذه الفكرة بدأت في عام 2009 بعد انتشار شائعة مفادها أن الطيور المهاجرة القادمة من الدول الغربية تحمل أجهزة تجسس. لذلك بدأت في تصوير الطيور بدافع الفضول. إلا أن هذه الطيور لم تكن تحمل سوى بطاقات تحتوي على معلومات لأغراض البحث، ولكني في هذه المرحلة أصبحت مهتمًا جدًا بالطيور نفسها، وبدأت بدراستها”.

“بدأت في إجراء أبحاث عن الطيور المهاجرة في السودان، والتعرف على الأماكن التي تأتي منها وتلك التي تذهب إليها وخصائصها ومواسم هجرتها وأوقات استيطانها والكثير من الأمور الأخرى عنها. ومع استمراري في التوثيق، جمعت الكثير من البيانات وأردت مشاركة هذه المعلومات مع الجمهور لتنوير الناس عن الطيور في السودان”.

لدى عوض خلفية في التصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام وقد قام بتصوير أفلام لتدبير أموره بشكل جيد وأثناء وقت فراغه قام بتوثيق للطيور.

يقول عوض: “لم أتلق أي أموال لمشروعي، لذلك فقد اخترت الأماكن التي يمكن أن يكون فيها توازن ما بين شغفي بالطيور ووظيفتي. بالنسبة لي فإن الطيور هي الكائنات الأكثر أولوية التي يجب حمايتها وتوثيقها. أنا أدرس بشكل أساسي الطيور، وهذا يعطيني معلومات عن المشاكل في مناطق تراجعها. فالطيور تحمي التوازن البيولوجي، وأي مشكلة في هذه السلسلة يمكن أن يكون لها آثار كبيرة.”

ويضيف عوض بأن اقتصاد البلاد يمكن له أن يتأثر، لأن بعض تلك الطيور تتغذى على الحشرات التي يمكن أن تدمر المحاصيل.

بيانات قليلة يُعتمد عليها

السودان هو موطن لعدد من أنواع الطيور التي تتنوع بين تلك التي تقيم فيه على مدار السنة، والطيور التي تأتي إليه للتكاثر وتقضي جزءًا كبيرا من موسم النمو في السودان لتربية صغارها، الطيور المهاجرة التي تمر عبر السودان وفقا للمواسم، والطيور الشتوية التي تقضي جزءًا كبيرًا من فصل الشتاء في السودان هربًا من برودة الطقس في الشمال.

“أردت أن أطبع دليلا عن الطيور السودانية يحتوي على إحصائيات محدثة”

— عوض محمد

ومع ذلك، فإن سنوات الصراع العنيف الطويلة جعلت جمع بيانات متسقة يمكن أن يعول عليها أمرا صعبا. يقول عوض “أن السودان هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي ليس لديها إحصائيات عن الطيور أو نادي لمراقبة الطيور”.

في عام 2016، اغتنم عوض أول فرصة أتيحت له لتقديم عمله لجمهور أكبر. “أقمت معرضي الأول في عام 2016 والذي عرضت فيه 268 صورة قمت بإهدائها إلى إدارة الحفاظ على الحياة البرية التي قامت برعاية الحدث وجعلت البيانات المتعلقة بالطيور المستوطنة والمهاجرة في السودان متاحة للجمهور. جمعت بيانات المعرض على مدى 6 سنوات تقريبًا، من 2010 إلى 2016.”

بدأ عوض أول ناد لمراقبة الطيور في السودان بعد فترة وجيزة من إقامة المعرض “لتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على الطيور”. ويقول أنه استلهم هذه الفكرة من أندية مراقبة الطيور الأفريقية الأخرى. بعد وقت قصير من إنشاء النادي، أقام عوض ورشة عمل لتقديم أساسيات مراقبة الطيور وكان هدفه إعطاء الناس الفرصة لتجربة مراقبة الطيور والتعرف عليها، على أمل أن يستمروا في ذلك.

لكن النادي واجه العديد من القضايا التي تعيق تقدمه حيث لم يقم أي كيان رسمي أو منظمة غير حكومية برعاية جهوده. وفي ضوء التحديات الكثيرة التي يواجهها شعب السودان، لم تشكل الطيور ومراقبو الطيور أولوية. فعلى سبيل المثال، يوضح عوض “أن التحدي هو عدم وجود مساعدة لوجستية للذهاب إلى المواقع الميدانية حيث أن معظمها يقع بعيدا عن العاصمة. كان تركيزي الرئيسي في الحصول على الرعاية هو الاتصال بالمنظمات المحلية والمؤسسات الحكومية، ولكنني لم أتلق ردود مشجعة.”

ويضيف “لسوء الحظ، لم يتلق النادي الاهتمام الذي كنت أتمناه، على الرغم من هدفه المتمثل في إنشاء قاعدة بيانات يعول عليها للباحثين والطلاب والسياح. أردت أن أطبع دليلا عن الطيور السودانية يحتوي على إحصائيات محدثة حول عدد الطيور داخل الحدود الحالية للبلاد، بالإضافة إلى صور فوتوغرافية.”

التحرك نحو عهد جديد

رغم ذلك، يواصل عوض جمع البيانات ويقول “أحمل معي خلال جميع رحلاتي نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لإنشاء خريطة دقيقة للطيور. تتضمن بياناتي حوالي 300 نوع من الطيور، وأماكن مأواها، وأسمائها المحلية إلى جانب أسمائها الإنجليزية والعلمية وصور لكل طائر.”

وقال انه يحتفظ بالبيانات لتكون متاحة لكل مهتم ويأمل أن تتصل به في أحد الأيام مؤسسة أو منظمة يمكن أن تساعد النادي كي يزدهر، خاصة الآن مع جميع التحولات التي يشهدها السودان. “لدي آمال كبيرة في المستقبل وأستطيع أن أرى بعض التغييرات بالفعل في البلاد وهذا يعطيني أملاً كبيرا بالمستقبل”.

خلال عمله، شهد عوض محنة الطيور ويقول إن العنف الواسع النطاق في جميع أنحاء البلاد لعب دورا رئيسياً في تدمير النظم البيئية والتنوع البيولوجي في السودان. “لم يعد وادي حوار وغيره من أماكن المأوى متاحا للطيور المهاجرة للتوقف أثناء رحلتها بسبب النزاعات، وهذا غيّر مسارها ما أثر على البيئة في تلك المناطق وأخل بالتنوع البيولوجي من بين قضايا أخرى.”

مع استمرار التحول السياسي، يأمل عوض أن يتوقف العنف، مما يسمح للنظم الإيكولوجية في السودان بالتجدد. وهو أيضا متفائل بشأن مستقبل أبحاث الطيور في السودان وبمستقبل ناديه لمراقبة الطيور. “آمل الآن أن نسير باتجاه حقبة جديدة، وأن ينشئ السودان قاعدة بيانات يمكن التعويل عليها وأن يرعى أنشطة نادي مراقبة الطيور بالإضافة إلى تحديث الإحصاءات الوطنية.”