صورة من الثورة السودانية في العاصمة الخرطوم.
(cc) موقع الأضواء | محمد هلالي |11 أبريل، 2019

‘الأمل’، عند السودانيين، هو أحد الأبواب الكبيرة التي انفتحت في مزاجهم بسبب الثورة.


أجاب سُوداني في عقده السادس في حوار على قناة تلفزيونية، عقبَ خلع الرئيس البشير، على سؤال حول الفرق ما بين فترة ما قبل الثورة: “نحن كسودانيين، وطوال الفترة الماضية، كنا صابرين على حكم البشير، بلا أمل، بل ومع قناعة مؤكدة بعدم الإنصلاح. لكننا سنصبر على الحكومة التي ستأتي بها الثورة – برغم قناعتنا بتعثّراتها، وضيق حالنا ومعاشنا – على أمل الانصلاح”. الفرق بين الصبر طوال سنوات البشير، والصبر على الحكومة الانتقالية هو ‘الأمل’، الذي كانت الثورة سبباً فيه.

‘الأمل’ عنوان كبير

‘الأمل’ هو العنوان الكبير الذي يضم تحته تمظهرات عديدة لتغيّر أمزجة السودانيين بسبب الثورة، منها ازدهارُ الروح التعاونيّة الكبيرة عند السودانيين، الانفتاح عندهم في تقبّل الآخرين المختلفين عنهم دونما انفعال، بالإضافة إلى تغييرات كبيرة طرأتْ في وسائل الإعلام الرسمية، التي كانت تُسبّح بحمد رموز الحكومة السابقة، وتُبرّر لها ما كانت تفعل.

لم يقف هذا المزاج إلى هذا الحد، بل شمل حتى نزع القدسية من قيادات الحراك الثوري، عبر انتقاد مواقف جانبها فيه الصواب، حتى تُعيد حساباتها وفق ما تُقرره الجماهير.

لا يُستثنى من هذا التغيير الذي طرأ في أمزجة السودانيين انفعالهم المتزايد بالفُنون، لارتباطها بالثورة، باعتبارها واحدة من مُوقدات جذوتها.

تجد كذلك شعارات الثورة في أسماء المحالات التجارية ومنتجاتها، كما فعل صاحب دُكانة للعطور بوسط الخرطوم، من إطلاق اسم ‘الأصم’، و’حمدوك’ على منتجاته العطرية الجديدة. محمد ناجي الأصم هو أحد قيادات تجمع المهنيين الشابة التي قادت حركة الاحتجاج، وعبد الله حمدوك هو رئيس وزراء الحكومة الانتقالية.

الارتياح والتكافل

الأمل الذي عبّر عنه الستيني في بداية التقرير، هو ما بدأ شمس الدين ضو البيت، مدير مشروع الفكر الديمقراطي، حديثه به مع ‘موقع الأضواء’، إذ أشار إلى ما لمسه من تطلع السودانيين وأملهم في المستقبل هو واحدة من التغييرات الكبيرة في المزاج السوداني بفعل الثورة.

وأضاف ضو البيت بأنّ عدم أملهم في السابق، هو ما ألجأهم اضطراراً إلى المخاطرة بركوب البحر، أو قطع فيافي الصحارى، أو إلى التسلّل إلى إسرائيل.

التغييرات في المزاج السياسي والاجتماعي السوداني التي أحدثتها ثورة ديسمبر، حسب ضو البيت، تبدو واضحة في حالة الارتياح في التعامل، حيث كان هو – شخصياً – يُعاني من المداهمات والمسائلات، بسبب نشاطه في التنوير والوعي عبر مشروع الفكر الديمقراطي الذي يُديره.

أما في الجانب الاجتماعي، يقول شمس الدين، فإن روح التكافل والتعاون التي سرتْ أيام ميدان الاعتصام، انداحت بكثافة في كل مناحي الحياة السودانية.

ولم يغفل شمس الدين ضو البيت، وهو يتحدث مع ‘موقع الأضواء’ إلى أمرين: الأول ما أسماه “التقدّم الهائل في نظرة السودانيين إلى المرأة، نتيجة مشاركتها الفعّالة في الثورة؛ والثاني اعتداد السودانيين بسودانيتهم، نتيجة انبهار العالم بالثورة”، التي تؤكدها التصريحات الإيجابية لعدد من قادة العالم، وكذا الإعلام الخارجي الذي احتفى بثورتهم وسلميّتهم التي حققوا عبرها مطالبهم وأهدافهم.

الاتحاد والإنسانية

التغيير في مزاج السودانيين، يؤرخ له عبد الغني كرم الله، القاص والمختص في أدب الأطفال، بالتذكير بالأسابيع التي سبقتْ قيام ثورة ديسمبر 2018.

“ميدان الاعتصام منحنا ومضة لما سيكون عليه السودان […] صار الجميع يتعاملون فيه، بالإنسانية”

— الغني كرم الله، قاص ومختص في أدب الأطفال

“لم يكن هناك اهتمام بقضايا العمل العام، والسياسة”، يقول كرم الله، “وإنّما جملة من الخواطر والاهتمامات الخاصة، الأمر الذي انقلب كُليّة بعد ذلك. لم تعُد السياسةُ أمراً خاصاً”.

“الثورة ربطت السودانيين ببعضهم البعض بصورة لم تُعرف في حاضرهم القريب، فكل حدث يحدث في أبعد نقطة في السودان، تجد صداه عن الآخرين، وفيه تجسيد حقيقي للمقولة النبوية: إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، يفسر كرم الله.

ويُشير كرم الله في حديثه مع ‘موقع الأضواء’ إلى ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة، الذي بدأ في السادس من أبريل 2019 وانتهى بفضه بالقوة العسكرية في الثالث من يونيو، كونه أظهر نقطة وحّدت السودانيين، وتحوّلتْ إلى سودان كبير، يُعيد السودانيون فيه التعرف إلى بعضهم البعض بشكل أعمق.

ويمضي كرم الله: “ميدان الاعتصام منحنا ومضة لما سيكون عليه السودان في سنواته أو عقوده المقبلة، ففيه أحسّ السودانيين بسودانيتهم التي تجمعهم. بل أبلغ من ذلك. صار الجميع يتعاملون فيه، بالإنسانية”.

الشباب، السوشل والأزياء

واحدة من التمظهرات التي حدثتْ في مجال مواقع التواصل الاجتماعي بعد الثورة، ويراها البعض كتغييرات في مزاج السودانيين، هي لغة فئة الشباب ‘العشرين وما دون’. يصفها البعض بالجريئة والمصادمة لحدود المألوف والذوق، ويراها البعض الآخر أقرب للوقاحة.

“الثورة غيرت في مزاج السودانيين بإعادة الثقة إليهم”

— سارة الجاك، صاحبة دار نشر وكاتبة نشطة في قضايا المجتمع السوداني

تقول سارة الجاك، صاحبة دار نشر وكاتبة نشطة في قضايا المجتمع السوداني، إن “هذه اللغة كانت موجودة قبل الثورة، وإنْ في أطر محدودة، لكن خروجها وانتشارها بذات القدر، هو ثورة وتغيّر في مزاج هذا الجيل”.

وتلفتْ سارة النظر إلى أن التغيير لم يطرأ فقط على الشباب، بل كذلك على أمزجة أجيال سودانية سابقة، الذين أصبحوا يتقبّلون مظاهر الشباب والشابات، بأزياء وتصفيفات شعور لم يألفوها، بل كانوا يُقابلونها بالامتعاض والزجر.

الآن الوضع المزاجي مختلف، فهذه الأزياء والتصفيفات، أصحابُها هم من قادوا الحراك الثوري، وأشعلوا جذوته من قبل، حتى أفضى إلى إنهاء واحدة من أعتى الديكتاتوريات في القرن العشرين، والحادي والعشرين.

وتُضيف في حديثها مع ‘موقع الأضواء’ بأنّ الثورة غيّرتْ في روح السودانيين وجعلتهم يُحسّون بكرامتهم التي تمّ إهدارها لعقود ثلاثة، هي عمر الإنقاذ. وتواصل: “الثورة غيرت في مزاج السودانيين بإعادة الثقة إليهم، بأنهم قادرون على الفعل، وألّا خوف على مكتسباتهم، لأنهم قادرون على حمايتها”.