الشعب يريد بناء سودان جديد.
(cc) هند مكي |10 أبريل، 2019


لخصّتْ الثورة السودانية مطالبها في شعارها الذي رفعته منذ بداية الاحتجاجات في ديسمبر 2018: حُريّة، سلام، وعدالة. تحقّق الكثير، لكن الكثير أيضاً لم يتحقّق. فما الذي لم يتحقّق إلى الآن؟ ولماذا لم يتحقّق؟


تنحو الأجوبة على سؤال ‘ما الذي لم يتحقّق من أهداف الثورة السودانية’ في غالبها نحو قضيّتين هما السلام والاقتصاد.

هذا ما أشار إليه عبد الله ديدان، الباحث السياسي والمدير السابق لمكتب رئيس الوزراء السوداني د. عبد الله حمدوك. يقول ديدان إنّ السلام، الذي لم يتحقّق إلى الآن، هو أحد البوّابات الكبيرة التي تُمهّد الطريق إلى استقرار السودان وتنميته، والمستقبل المنشود.

يُشير ديدان إلى أنّ “الطريق الأفضل لإحلال السلام، هو مخاطبة مشكلات السلام، والتي لا تُحوّج لمفاوضات فيما بعد، وبعد ذلك العمل على إرسائه وضمان ديمومته”.

الحرب والسلام قبل وبعد الثورة

يقول الواقعُ السوداني إنّ قضيتي الحرب والسلام، قضيتان أرّقتا السودان منذ استقلاله، بالنظر إلى أنّ أول حرب شهدها السودان، اندلعت في العام 1955، قبل الاستقلال بعام. يقول الواقع السوداني أيضاً إنّ اتفاقيات كثيرةٍ أبرمت مع حكومات متعاقبة، لوقف الحرب، لكنّ هذه الاتفاقيات صمدت قليلا، ثم ما لبثت أنْ انهارت، وانطلقت بعدها البنادق المعبّأة بالبارود مجدّدا.

من أجل الخروج من مشكلة الحرب والسلام، يقترح ديدان، في حديثه لـ ‘موقع الأضواء’، “الإجماع الوطني والوفاق على قضايا إيقاف الحرب، وهو عمل يتم بمخاطبة جذور الأزمة، الأمر الذي لم يحدث طوال العقود الفائتة من عمر السودان منذ استقلاله“.

ويمضي ديدان، شارحاً أنّ القضايا المهمة، في نظره، التي يجب أن تُناقشها الحكومة الانتقالية، وصولاً لتحقيق شعار الثورة ’سلام‘، هي أربعة: “مطلوبات السلام، ومعالجة آثار الحرب، وبناء السلام الدائم والشامل، والتنمية السياسية والاقتصادية”.

هذا كذلك ما تنص عليه وثيقة الاتفاق السياسي التي تم التوقيع عليها من طرف قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في الفقرة الأولى من الفصل الخامس حول مهام الحكومة الانتقالية: “وضع السياسة والمنهح الفعال لتحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالتشاور مع كافة الحركات المسلّحة، وتحقيق سلام عادل وشامل، يوقف الحرب نهائيا بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها مع الوضع في الاعتبار التمييز الإيجابي.”

تنص نفس الوثيقة في الفقرة الموالية على أن “العمل على إتمام عملية السلام الشامل المشار إليها في الفقرة أعلاه في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق”.

وتشكل المفاوضات الجارية منذ سبتمبر الماضي، في عاصمة دولة جنوب السودان، جوبا، بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلّح التي قاتلت نظام الإنقاذ، برئاسة المخلوع عمر البشير العملية التي من المفروض أن تؤدي إلى السلام المنصوص عليه في وثيقة الاتفاق السياسي.

ولم تسفر المفاوضات بعد عن التقدم المرجو تحقيقه، ممّا أدّى إلى تمديد مدتها لشهرين إضافيين.

تحدثُ الحروب والنزاعات في السودان، بحسب العديد من الخبراء، لأسباب كثيرةٍ، أجملوها في أربع، وهي: الموارد، الشرعية، المشاركة، الهُويّة.

“المشكلة من وجهة نظري تاريخية منذ استقلال السودان في عام 1956، وهي تتعلق بالهوية لأننا طيلة هذا الزمن لم نحدد هويتنا، فتارة ننسبها إلى العرب وطوراً إلى الأفارقة، فضلاً عن القضايا والمشكلات الأخرى المتعلقة بالدين والدولة، وشكل الحكم، وتوزيع الثروة، فجميع هذه القضايا لم تكن مؤسسة بشكل يرضي أهل السودان كافة”، يقول بروفسور سليمان الدبيلو، رئيس مفوضية السلام في السودان، حسب إندبيندنت عربية.

يقترحُ عبد الله ديدان ضرورة أنْ تتبع مفاوضات السلام في جوبا أربع مسارات، ويُجملها في التالية: “المسار الأول: نظام الحكم والإدارة؛ المسار الثاني: القوانين والتشريعات؛ المسار الثالث: الاقتصاد والتنمية؛ وأخيراً، مسار الترتيبات الأمنية”.

في رأي ديدان من المهم أنْ تقتصر جولات التفاوض على هذه القضايا باعتبارها قضايا مفتاحيّة، لحل جذور مشكلات الحروب الحالية في السودان، والتي من الممكن أنْ تنشأ مستقبلاً.

هذا يختلف عن الخطوات التي انتهجتها الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في جولات التفاوض الحالية، وذلك بتقسيمها المسارات اعتماداً على الجغرافيا، مثل: مسار شرق السودان، مسار وسط السودان، مسار المنطقتين: النيل الأزرق وجنوب كردفان، وأخيراً مسار دارفور.

الأزمة الاقتصادية

قضية السلام هي نفسها، بجانب الاقتصاد، ما أكّد عليها كمال بولاد، مقرّر المجلس المركزي لقوى الحريّة والتغيير، الجسم الذي قاد الاحتجاجات التي أزالت البشير من الحكم. وبرأيه، فإنّ ما أسماه “الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، تسبّب في صناعتها النظام البائد، بقُدرةٍ فائقةٍ، بتبديدهِ للموارد، وعدم قدرته على إدارتها بنحوٍ سليم”.

“الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، تسبّب في صناعتها النظام البائد، بقُدرة فائقة

— كمال بولاد، مقرّر المجلس المركزي لقوى الحريّة والتغيير

ويرى بولاد أنّ معالجتها جزئياً تتم بإجازة موازنة العام 2020، التي يجب أنْ تقوم على أساس تحقيق الأهداف الاقتصادية للثورة.

حسب إبراهيم البدوي وزير المالية بالحكومة الانتقالية، في سبتمبر الماضي، فإنّهم بصددِ إطلاقِ خُطة إنقاذ اقتصادية إسعافية، مدتها تسعة أشهر، وهدفها كبح التضخّم، مع ضمان توفّر السلع الأساسية، بجانب انتظار دعم مقداره ملياريِّ دولار من البنك الدولي. وأضاف البدوي في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه البرنامج الإسعافي في سبتمبر الماضي، حسب الشرق الأوسط، إنه سيبدأ العمل على البرنامج في أكتوبر، على أن يشمل “إعادة هيكلة الموازنة، ومعالجة التضخّم”.

هذا ويهدف البرنامج كذلك حسب البدوي “إلى إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، وترشيد الإنفاق الحكومي، ومحاربة الفساد المُستشري بشكل فردى ومؤسسي، ومعالجة الجهد المالي للدولة، ومراجعة الإعفاءات الضريبية، لأنَّ 60 في المائة من الأنشطة الاقتصادية معفاة من الضرائب”.

أهداف الثورة الأخرى

في غالبه، يركز الحديث عن أهداف الثورة التي لم تتحقّق بعد على السلام الذي لم يعشهُ السودانيون، والاقتصاد الذي أنهك دولتهم، وكان أحد الأسباب الأساسية في سقوط نظام الإنقاذ.

لكن ما زالت هناك عدة أهداف أخرى لم يتنزل على أرض واقع ما بعد الثورة، يقف على رأس ذلك الإنصاف للشهداء، الذي تسبّب النظام السابق في إزهاق أرواحهم، تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ومحاسبة رموز النظام السابق على الجرائم التي ارتكبوها.

ويُجمل بولاد عددا من الأهداف لم تتحقق بعد في قوله: “النتائج النهائية للعدالة فيما يتعلّق بالقصاص لشهداء الثورة، المؤتمر الدستوري الذي يُحدّد كيف يُحكم السودان والوصول إلى دستور يتوافق عليه الجميع، ويقطع الطريق أمام الشموليات، والتحوّل الديمقراطي”.

“الفشل الكبير للثورة هو عدم وجود أي تغيير في المفاهيم الاجتماعية مثل تقبّل الآخر”

— هشام شمس الدين، ناشط سياسي وعضو بمجموعة الإحياء والتجديد

ويُسبّب بولاد التأخر والبطء في اكتمال أهداف الثورة، بحسب إفادته لـ ‘موقع الأضواء’، “بسبب ثقل التركة التي أوجدها النظام الإسلاموي البائد”.

يتفق الناشط السياسي هشام شمس الدين بأنّ ما لم يتحقق من أهداف الثورة هو العدالة، وأنّ مفاوضات السلام تحوّلت إلى محاصصات، للدرجة التي لم تعد فيها الحركات المسلّحة تثق في المدنيين في الحكومة الانتقالية، وإنما في العسكر، ويعتقد بأنّ ذلك وضعاً غريبا.

لكن شمس الدين ، وهو عضو بمجموعة الإحياء والتجديد المحسوبة على الإسلاميين السودانيين، يقول لـ ‘موقع الأضواء’، إنّ “الفشل الكبير للثورة هو عدم وجود أي تغيير في المفاهيم الاجتماعية مثل تقبّل الآخر. بل إن الوعي لم ينتقل من النخبة للجماهير، ولا أتوقع أن ينتقل قريباً ولا مستقبلاً، بحسب متابعتي للأحزاب السياسية السياسية”.

مرت سنة على ثورة ديسمبر في السودان، في حين أن الحكومة الانتقالية تم تشكيلها منذ أكثر من أربعة أشهر بقليل. وبينما يتفق الجميع على أن تحقيق أهداف الثورة يتطلب مجهودا جبارا وإرادة سياسية حقيقية من جانب جميع الأطراف، فيبدو، وعلى أقل تقدير، أن الطموح فاق الواقعية، البراغماتية والتدرُّج، عند وضع الجدول الزمني لتحقيق أهداف الثورة.